المقالة الرابعة : الحزب الشيوعي قوّة مناهضة للكون

توطئة

ملصقة حائطية تبرز الحرس الأحمر وهم يضربون الناس، ويدكون المنازل، ويخرّبون الممتلكات. يقول الشعار الذي في الصورة :"تحطيم العالم القديم، بناء عالم جديد".

يولي الصينيون أهمّية كبيرة للـ "طاوو"(/داوو) أو الطريق (السراط). فيما مضى، كان الامبراطور عندما يكون فظا قاسيًا، يقال عنه أنه "حاكم سافـل وعديم الطاوو". كان كلّ سلوك يشذ عن المنهج الأخلاقي -والذي يُدعى بالصينية "داوو دو"، أي "الطاوو" و "الفضيلة" - يقال عنه أنه "لا يتـّبـع الطريق". وحتـّى القرويون الذين يثورون، كانوا يكتبون على لافتاتهم : "بلوغ الطريق بحقّ السماء".

قال لاوو تسي [1] :

«شيء مّا قد كان،
 ليس مُحدّدًا ولكنه مكتمل،
 قد وُلـِد قبل السماء وقبل الأرض،
 لا تحتويه عبارات ولا تحدّه حدود،
 مستقـلّ وصامد،
 لاعب كلّ الأدوار في كلّ مكان دون كلل ٍ،
 وبإيجاز هو أبو الخليقة،
 بما أني لا أعرف اسمه، فإني أسمّيه "الطريق".»  
يشيـر هذا القول لـلاوو تسي إلى أن أصل خلق الكون هو "الطاوو".

في المائة سنةٍ الأخيرة، خلق الاكتساح الفجئيّ لشبـح الشيوعية قوّة مناهضة للطبيعة والإنسانية، متسبّبًا في فظائع ومآسي لا يمكن تصوّرها، ودافعًا بالحضارة الإنسانية إلى شفا الهوّة. بارتكابه مختلف أصناف الفظائع التي هي ضدّ الطاوو والتي تعارض السماء والأرض، أصبح قوّة ً شرّيرة ً إلى أقصى درجةٍ تنتصب مناهضة للكون.

«الإنسان يتـّبـع سُبُـل الأرض،
الأرض تتـّبـع سُبُـل السماء،
 السماء تتـّبـع سُبُـل الطريق،
 والطريق يتـّبـع سُبُـله الخاصّة [2] »

قديمًا في الصين، كان الناس يعتقدون بأنّ على الإنسان أن يمتثـل للطبيعة ويتآلف وينسجم معها ويتواجد معها. إن البشرية هي جسم واحد مع السماء والأرض ووجود كلّ طرفٍ منهما متعلــّـق ومرتبط بوجود الآخر. إنّ طاوو الكون ثابت لا يتغيّر. والكون يسير وفق الطاوو سيـرًا منظمًا. الأرض تتـّبـع تغيّرات السماء وهكذا فلديها أربعة فصول مختلفة. عندما يحترم البشر السماء والأرض، يصير بإمكانهم أن ينعموا بحياةٍ ملؤها الانسجام والامتنان والبركة. لهذا السبب يُقال أن القولة التالية "الزمن المناسب، والمكان المناسب، والانسجام بين الأفراد" تعبّر عن قيم ٍ صينيةٍ [3]. حسب الفكر الصيني، فإن علم الفلك، والجغرافيا، وتقويم الروزنامة، والطبّ، والأدب، وحتـّى تركيبة المجتمع، كلــّها ينطبق عليها هذا المفهوم.

ولكن الحزب الشيوعي يضع في طليعة مبادئه "الغلبة السّاحقة للإنسان على الطبيعة"، و "جوهـر" هذه الحرب بين الإنسان والطبيعة هي "فلسفة الصراع بين الطبقات". إنهم يتحدّوْن الخاصّية الطبيعية للسماء وللأرض وللطبيعة. لقد قال ماوو تسي تونغ :"إنّ مكافحة السماء لسعادة لا تـُحدّ، ومكافحة الأرض سعادة لا تـُحدّ، ومكافحة البشر سعادة لا تـُحدّ". ربّما قد تمتـّع الحزب الشيوعي بهذه الصراعات ووجد فيها لذة ً، ولكن الناس دفعوا ثمنها باهضًا جدّا وتعذبوا كثيرًا.

I. مكافحة الناس والقضاء على الطبيعة الإنسانية

انقلاب مفاهيم الحق والباطل يقضي على الإنسانية

الإنسان هو قبل كلّ شيءٍ ابـن الطبيعة، ثمّ هو بدرجة ثانية كائن اجتماعيّ. "إنّ الإنسان طيّب بالفطرة" [4]، و "الرحمة موجودة في قـلوب كلّ الناس بدون استثناءٍ" [5] ؛ هذا يعطي فكرة عن بعض المبادئ والثوابت التي يحملها الناس في أعماقهم منذ الولادة – وهي عديدة. هذه القواعد تمكـّن الناس من التمييـز بين الحق والباطل وبين الخير والشرّ. أمّا الـح ش ص، فهو على العكس من ذلك، يرى أنّ البشر كالحيوانات، بل كالآلات. بالنسبة له، البورجوازية والبروليتاريا هما قوّتان مادّيتان لا غير.

إنّ هدف الـح ش ص هو السيطرة على الناس وتحويلهم التدريجي إلى صعاليك متمرّدين وثوريّين. يقول ماركس :"القوّة المادّية لا تهزمها سوى القوّة المادّية ؛ ولكن النظرية تتحوّل، هي أيضًا، إلى قوّة مادّية حالما تدخل صفوف الجماهير" [6]. لقد كان يظنّ أنّ كلّ تاريـخ البشرية ليس سوى تواصل لتطوّر الطبيعة البشرية وأن الطبيعة البشرية في الأصل طبيعة متكوّنة من طبقاتٍ، منطلقــًا من مبدأ أنّ لا شيء يأتي بصفة فطرية وطبيعية بل كلّ شيءٍ ناتج عن البيئة. يؤكـّد ماركس أنّ الإنسان هو "كائن اجتماعي"، خلافـًا لمفهوم "الإنسان الطبيعي" الذي اقترحه فويـرباخ. كان لينين يعتقد أنّ الماركسية لا يمكن أن تنشأ بصفة طبيعية داخل البروليتاريا، بل يجب حـقنها من الخارج. وقد بذل لينين قصارى جهده لجعـل العمّال يمرّون من الصراع الاقتصادي إلى المعركة السياسية من أجل السلطة، ولكنه لم يُـفلح. ورغم ذلك لم ينثن ِ وعلــّـق آماله على "نظرية ردّة الفعل المُكتـَسَبة" التي قدّمها الحائز على جائزة نوبل إيفان بتروفيتش بافلوف. قال لينين أنّ هذه النظرية هي ذات دلالات هامّة بالنسبة لبروليتاريا العالم أجمع. بل وحتـّى أنّ تروتسكي [7] طالما تمنـّى أن تتمكـّن ردّة الفعـل المُكتـَسَبة من تغييـر الفرد لا فقط على المستوى البسيكولوجيّ بل وحتـّى الفيزيائيّ. تمامًا مثـلما يبدأ لعاب الكلب يسيل عندما يسمع الجرس الذي يعلن موعد الطعام، كان يرجو أيضًا أن يندفع الجنود - عندما يسمعون أصوات الطلق الناري - بشجاعة ليبذلوا حياتهم في سبيل الحزب الشيوعي.

منذ العصور القديمة، يعتقد الناس أنّ الجزاء هو ثمرة العمل والجهد. عندما يعمل المرء بكدّ ٍ، يمكن أن يحقــّق رخاء العيش. يحتقـر الناس الكسل ويعتقدون أنه من اللا-أخلاقيّ أن يحصد الفرد أرباحًا بدون عمل. لقد اجتاحت الشيوعية الصين مثل الوباء، وأصبح حثالة الجنس البشريّ والطفيليّون - بتشجيـع من الـح ش ص - يقتسمون الأراضي، ويسرقون المُمتلكات الخاصّة، ويُرعبون الرجال والنساء. لقد تمّ هذا علنـًا وباسم القانون.

الكلّ يعي قيمة احترام الناس الأكبـر سنـّا، ورعاية الناس الأصغـر سنـّا، وأنّ عدم احترام الناس الأكبـر سنـّا والمعلــّمين هو أمـر سيّء. التربية الكونفوشيوسية في الماضي كانت تضمّ قسميْن : سياو سو (الدراسة الصغرى) و داسو (الدراسة الكبرى). كان الطلبة يتلقــّوْن تكوين الدراسة الصغرى قبل سنّ الخامسة عشـر. وقد كانت ترتكـز على التصرّفات المهذبة اللائقة وحسن معاملة الآخرين والعلاقات الاجتماعية والآداب (أي النظافة، السلوك في المجتمع، طريقة الكلام، الخ). أمّا تكوين داسو فكان يضع الثـقـل على الفضيلة وعلى اتـّخاذ الطريق الموصل إلى الطاوو [8]. أثناء حملات الـح ش ص ضدّ لين بياوو [9] و كونفوشيوس، ندّد الحزب بالاحترام الذي يوليه الناس للأساتذة وأزال كلّ التعاليم الأخلاقية من نفوس وأذهان أصغر الأجيال سنـّا.

هناك مَثـل قديم يقول :"معلــّم يوم ٍواحدٍ، أبٌ كامل الحياة". في أغسطس 1966، أرغـِمت بيانغ جونغيون، وهي مدرّسة في معهد للفتيات تابـع لجامعة المعلـّمين ببـيكين، من طرف تلميذاتها على عبور الشارع على وقـع الطبـول المُكوّنة من القمامة. وكانت ترتدي على رأسها طرطورًا، وترتدي ملابس ملوّثة بالحبـر الأسود، وتحمل سبّورة سوداء مليئة بالشتائم معلــّقة بعنقها. وأجبروها على أن تجثو على ركبتيْها، وضربوها بعصيّ ملآنة مساميرًا وأحرقوها بالماء المغليّ. وماتت جرّاء التعذيب.

مديرة المعهد التابـع لجامعة بـيكين أيضًا أرغمتها الطالبات على أن تضرب مغسلاً مكسّرًا وتصيـح :"أنا عنصر سيّء !" وقصّوا شعرها بطريقة شعثاء للإمعان في إذلالها. وبينما كانوا يجبرونها على الزحف أرضًا، ضربوها على رأسها إلى حدّ النزيف.

الجميـع يعلم أنّ النظافة صفة محمودة وأنّ الوسخ صفة سيّئة. ولكن الـح ش ص يشجّع على "التمرّغ في الوحل وأن يعلو اليدين التـّكـلكـل (يـُبوسة)". إنه يدعو إلى أنه من الجيّد أن يكون الناس "بأيدي سوداء وبأقدام قد علـِق بها روث الحيوانات" [10]. مثـل أولئك الأشخاص كانوا يُعتـَبَرون أشدّ الثوريّين حُمرة، وبإمكانهم أن يذهبوا للجامعات، وأن يصيروا أعضاء في الحزب، وأن يحصلوا على منح ماليّة، وفي النهاية حتـّى أن يصبحوا زعماء للـح ش ص.

لقد تطوّرت الإنسانية وتقدّمت بفضل تحصيل المعارف، ولكن تحت حكم الـح ش ص ، أصبح يُنظـَرُ إلى اكتساب المعارف على أنه أمـر سيّء. كان يتمّ تصنيف المثقـفين في "الصنف الكريه التاسع" - أي أسوء صنفٍ ضمن سلــّم يتدرّج من واحد إلى تسعة. كانوا يأمرون المثقـفين بمزاولة دروس في مدرسة محـو الأمّية، كان يجب أن يقوم بتدريسهم و "تربيتهم" من جديدٍ فلاحون فقراء قبل أن يتسنـّى لهم أن يبدءوا حياة جديدة. وفي نفس الصّدد، بهدف متابعة إعادة تربية وتعليم المثقـفين، تمّ نفي أساتذة من جامعة تسينغهوا (تشينغهوا) إلى جزيرة كاربا في نانشانغ من مقاطعة دجيانغسي. وقد كانت البلهاريسيا [11] مرضًا منتشرًا في تلك المنطقة، إلى درجة أنّ أحد مخيّمات العمل قد تمّ نقـله من هناك. وقد انتقـل المرض إلى الأساتذة بعد استعمالهم لماء النهر وتكوّن لديهم مرض الاشقرار (مرض كبدٍ)، وهكذا فقد فـقدوا كلّ قدرة على العمل والعيش.

وقام الحزب الشيوعي الكمبودي (الخمير الحمر) - بتشجيـع من الوزير الأوّل السابق جو آنلاي - باضطهاد المثقـفين بقسوةٍ لا مثيل لها. كلّ شخص كان لديه تفكير مستقـلّ كان يجب "إعادة تكوينه" وتدميره روحيّا وجسديّا. من 1975 إلى 1978، قــُتـِل ربع الشعب الكمبودي، بل أنّ البعض قد قــُتـِل فقط بسبب الأثـر الذي تركته النظارات على وجهه.

بعد انتصار الشيوعية في كمبوديا في 1975، شرع بول بوت في تنصيب الاشتراكية بصفةٍ سابقة لأوانها -"جنّة في المجتمع البشري"- تدعو إلى مجتمع دون طبقاتٍ، ودون فوارق بين الرّيف والمدينة، ودون نقودٍ ولا تبادل تجاريّ. وفي النهاية تمّ تفكيك تركيبة الأسرة وتعويضها بفرق عمل رجاليّة وفرق عمل نسائيّة. كان على الجميـع أن يعملوا سويّة وأن يأكلوا سويّة وأن يرتدوا جميعهم نفس الزيّ الثوريّ الأسود أو البدلة العسكريّة. والأزواج والزوجات لم يكن بإمكانهم أن يلتقوا سوى مرّة في الأسبوع وشرط أن يحصلوا على الموافقة أيضًا.

يدّعي الحزب الشيوعي أنه لا يخشى السماء ولا الأرض، ورغم ذلك فقد حاول ببجاحة أن "يُصلح" السماء والأرض دون أيّ اعتبار للعناصر وللقوى الحقــّة في الكون. قال ماوو تسي تونغ ما يلي عندما كان طالبًا بهونان :

"على مرّ التاريـخ، قادت كلّ الأمم ثوراتٍ كبرى. ما هو قديم يتمّ دهنه وصبغه بأصباغ جديدة ؛ تغيّرات كبرى قد ظهرت اختـلطت فيها الحياة بالموت، والنجاح بالفشل. نفس الأمر بالنسبة لتدميـر الكون. تدميـر الكون هو بدون شكّ ليس تدميـرًا نهائيّا، وممّا لا شكّ فيه أنّ التدميـر هنا سيكون ولادة هناك. كلــّنا نتوقــّع هذا التدميـر، لأنه بتدميرنا للكون القديم، سنجلب كونـًا جديدًا. أفلن يكون أفضل من القديم ؟"

إنّ المحبة هي شعور طبيعي بين الزوج والزوجة، بين الآباء والأبناء، وبين الأصدقاء، وفي المجتمع بصفة عامّة. ولكن الـح ش ص، عبر حملاته السياسية المتواصلة، حوّل الرجال إلى ذئابٍ أو حتـّى إلى حيواناتٍ أكثر ضراوة وأكثر قسوة من الذئاب. ولكن علينا القول أنّ النمور، وإن كانت حيوانات قاسية وضارية، فهي مهما يكنْ لا تأكل أبدًا صغارها. ولكن تحت حكم الـح ش ص، كان من الدارج أن يشي الآباء والأبناء ببعضهم وأن يشي الأزواج والزوجات بعضهم ببعض ؛ كان من الدارج أن ينبذ الناس الأواصر التي تجمعهم بعائلتهم.

في إحدى المدارس الابتدائية ببـيكين في أواسط السنوات 1960، قامت مدرّسة - على سبيل الخطأ -باستعمال لفظيْ "اشتراكية" و "سقوط" متجاوريْن عندما كانت بصدد إعداد امتحان لتلاميذها، فقام التلاميذ بإبلاغ موظفي الـح ش ص عنها. وإثر ذلك، تعرّضت للانتقاد بصفة يوميّة وللضرب من طرف التلاميذ. وتبرّأت منها ابنتها. وفي كلّ مرّة كان يحتدّ فيها الصراع، كانت ابنتها، أثناء الاجتماعات السياسية، تنتقـد "التقـليعة الجديدة" لوالدتها في "صراع الطبقات". وأثناء السنوات التي تـلت هذه الحادثة، كان عملها في المدرسة يقتصر على أشغال التنظيف، بما في ذلك تنظيف المراحيض.

الناس الذين عاشوا فترة الثورة الثقافية لن ينسوْا بكلّ تأكيدٍ جانغ جيسين، التي أرسِلت إلى السجن لأنها كانت تنتقد ماوو للفشل الذي باء به في القفزة الكبرى نحو الأمام. لقد قام أعوان السجن بتمزيق ثيابها ثمّ بتقييد يديها وراء ظهرها وإلقائها في زنزانة مساجين ذكور لكي يغتصبوها. وانتهى بها الأمر إلى فقدان رشدها. ولحظة إعدامها، خاف الحرّاس أن ترفع صوتها بشعارات الاحتجاج، فأسندوا رأسها إلى آجرة وقطعوا حبالها الصوتية بدون أدنى تبنيـج.

حاليّا أيضًا، في اضطهاد الفالون غونغ، يواصل الـح ش ص اللجوء إلى نفس هذه الطرق القديمة لتحريض الناس على الكراهية وإذكاء العنف بينهم.

إنّ الحزب الشيوعي يقاوم الطبيعة الفاضلة في الإنسان، وهو يشجّع جانب الشرّ في الإنسان ويـوظفه ليدعّم سلطته هو. حملة بعد أخرى، أخذ الناس الذين لديهم شيء من الضمير يصيرون مُجبـَرين على السكوت خوفـًا من التعرّض للعقاب. لقد دمّر النظام الشيوعي بصفةٍ مُنظمة ومُبرمَجة المقاييس الأخلاقية الإنسانية العامّة محاولاً إزالة مفاهيم الخير والشرّ، والشرف والعار تمامًا ومحوها...هذه المفاهيم التي تتوارثها الإنسانية لمدّة آلاف السنين.

الفساد يتجاوز قانون التناتج والتضادّ الدائميْن

قال لاوو تسي :

«عندما يعمّ الجمال يأتي القبح
وعندما تنتشر الطيبة تأتي الشرور
الوجود واللا- وجود يولد كلّ منهما من الآخـر
الميسور والفقير يصنع كلّ منهما الآخـر
الطويل والقصير يتكاملان
المرتفع والمنخفض يرنو كلّ منهما إلى الآخـر
الصوت وصداه يُرجّع كلّ منهما الآخـر
الأمام والخلف يتعاقبان [12] »

من الواضح أنّ قانون التناتج والتضادّ الدائميْن يوجد في العالم البشري. لا فقط البشـر ينقسمون إلى أناس طيّبين وأناس سيّئين، ولكن الخير والشرّ يوجدان معًا في الشخص ذاته.

كان داوو جي، وهو شخصية- رمـز لقطاع الطرق في الصين القديمة، يقول لأتباعه :"اللصوص أيضًا عليهم باتـّباع الطريق". ويواصل أنّ اللصّ يجب أيضًا أن يكون "نزيهًا، شجاعًا، حكيمًا، وطيّبًا". أي بعبارةٍ أخرى حتـّى اللصّ لا يمكنه أن يفعـل ما يحلو له. هو أيضًا عليه أن يسير وفق قواعد.

إذا ألقينا نظرة على تاريـخ الـح ش ص، بوسعنا أن نرى أنه مليء بالأكاذيب والخدع المتكرّرة، دون تحفـّظ. مثلاً، من أكثر الصفات التي يقدسها اللصوص هي "الإخلاص"، بل حتـّى أنهم يُسمّون المكان الذس يقتسمون فيه غنيمتهم "قاعة الإخلاص المُخصّصة لتقاسم الحصاد". أمّا الـح ش ص ففي كلّ أزمة تطرأ، يشي أعضاءه بعضهم ببعض ويتـّهم بعضهم بعضًا، والأدهى من ذلك أنهم حتـّى يُـلفـّـقون تهمًا كاذبة لبعضهم البعض.

خذوا مثلاً القائد بانغ داهواي. كان ماوو تسي تونغ، وهو أصيل منطقة ريفية، يعلم جيّدًا أنه من المستحيل إنتاج 130.000 جين من الحبوب في الـ "مو" الواحد [13]، وأنّ ما قاله بانغ كان صحيحًا تمامًا. وكان يعلم أيضًا أنّ بانغ لم تكن لديه أيّ نيّة في الاستحواذ على السلطة، بالإضافة إلى أنه، أثناء الحرب بين الـح ش ص والكوومينتانغ (الحزب الوطني الصيني)، كان بانغ قد أنقذ حياته عديد المرّات عندما حارب ضدّ الـ 200.000 جنديّ من فرقة هو تسونغنان بينما هو لم يكن لديه سوى 20.000 جنديّ. ورغم ذلك فحالما عبّر بانغ عن عدم موافقته لماوو، اغتاظ هذا الأخير غيظـًا شديدًًا ورمى في الحال القصيدة التي كتبها في مدح بانغ في سلة المهملات – "من ذا الذي يجرؤ على الانطلاق على ظهر حصانه نحو ساحة الوغى مُشهرًا سيفه ؟ لا أحد غير قائدنا بانغ !" كان ماوو مصمّمًا على قـتل بانغ، رغم نبل هذا الأخير الذي سبق وأن أنقذ حياته وروح المساعدة التي يملكها.

إنّ الـح ش ص لا يحكم بمحبّة، إنه يقـتل بشراسة ؛ إنه يضطهد أعضاءه أنفسهم ويدخل في صراعات داخلية مُشيحًا عن كلّ روح صداقة وإخلاص ؛ إنه يُقايض الأراضي الصينية بكلّ جبن ونذالة ؛ إنه يُعادي الاعتقادات الحقــّة من قلــّة حكمته، إنه يُؤجّـج سعير حركاتٍ شعبية بصفة تتعارض مع تلك التي يُسيّـر بها إنسانٌ حكيمٌ البلاد. وفي الجملة فإنّ الـح ش ص قد وصل به الأمر حتـّى إلى التخلـّي عن القواعد الأخلاقية والتي بمقتضاها "حتـّى اللصوص أيضًا يجب أن يتبعوا الطريق." إنّ شرّه وفساده قد تجاوزا بكثيـر القانون الكونيّ، قانون التناتج والتضادّ. إنّ الـح ش ص يقـف على طرف النقيض تمامًا من الطبيعة ومن الإنسانية، وهدفه هو طمس مفهوم الخير والشرّ والإطاحة بنظام الكون. لقد وصل تعسّفه المجنون إلى ذروته، ومحكوم عليه الآن بالانهيار التامّ.

II. مكافحة الأرض ومعارضة قوانين الطبيعة يتسبّب في كوارث لا تـنتهي

1- صراع الطبقات يمتدّ ليشمل الطبيعة

في 1968، كان جين سينهوا تلميذ ًا مُجازًا من المعهد رقم 2 بشنغهاي وعضوًا في اللجنة الدائمة لمعهد الحرس الأحمر بشانغهاي. وقد تمّ إرساله إلى ريف مقاطعة هايلونغجيانغ في مارس 1969. في 15 أغسطس 1969، هبط سيل جارف من سلسلة جبال وغمـر بسرعة المناطق الواقعة على طول ساحل نهر شوانغ. فرمى جين نفسه في الماء لكي يستردّ عموديْ تلغراف تابعيْن لفريق الإنتاج لديه وغرق.

فيما يلي مقطعان مقتطفان من مذكـّرات جين [14] قبل موته :

4 يوليو

"لقد بدأت أحسّ بقسوة صراع الطبقات وحدّته في الريف. بصفتي حارسًا من الحرس الأحمر تحت إمرة رئيسنا ماوو، فإنني مستعدّ تمامًا لمحاربة القوى الرجعيّة على الجبهة، جاعلاً من فلسفة ماوو تسي تونغ العظمى سلاحي وذخيرتي. أنا أريد أن أفعـل ذلك، حتـّى وإن كان فيه فقدان حياتي. سأحارب، وأحارب وأحارب بكلّ ما أوتيت من قوّة لأدعّم ديكتاتورية البروليتاريا."

19 يوليو

"إنّ الأعداء الطبقيين في فرقة الإنتاج هذه هم متعجرفون. إنّ الشبيبة المثقـفة قد أتت هنا إلى الريف خصّيصًا للمشاركة في الحركات الثورية الثلاثة الكبرى. صراع الطبقات يأتي قبل كلّ شيءٍ وبعد كلّ شيءٍ. يجب أن نعوّل على طبقة الفقراء والطبقة الدنيا المتوسطة من القرويين، وأن نعبّأ الجماهير ونقضي على صلف الأعداء. نحن، الشباب المثقـفون، علينا أن نرفع دائمًا راياتٍ كبيرة قد كـُتِبت عليها أفكار ماوو تسي تونغ، وألاّ ننسى أبدًا صراع الطبقات ولا ننسى أبدًا ديكتاتورية البروليتاريا."

لقد ذهب جين إلى الريف حاملاً في رأسه فكرة مكافحة السماء والأرض لتغيير الإنسانية. إنّ مذكـّراته تكشف أنّ ذهنه كان يعجّ بـ "الصراعات". لقد تنامت عنده فكرة "مكافحة البشـر" لتصبح فكرة مكافحة السماء والأرض، وانتهى به الأمر إلى الهلاك. إنّ جين هو مثال نموذجيّ على فلسفة الصراع، وفي الآن نفسه، بدون شكّ، صار هو نفسه ضحيتها.

يقول انجلس أنّ الحرّية هي الاعتراف بالمحتوم. وأكملها ماوو مُضيفـًا :"وتغيير العالم". هذه اللمسة الأخيرة قد بيّنت كيف يرى الـح ش ص الطبيعة، أي بعبارة أخرى، هو يريد تغييرها. ما يعتبره الشيوعيون "محتومًا" هو المادّة التي تـقع خارج حقل مفاهيمهم و "القوانين" التي وراءها. هم يعتقدون أنّ الطبيعة والإنسانية يمكن "غزوهما" وذلك بتحريك العقـل البشري الذاتي وتحفيزه ودفعه إلى فهم القوانين الموضوعية. في محاولتهم لتغييـر الطبيعة، نشر الشيوعيون الفوضى والخراب في روسيا كما في الصين، البلديِْن الذيْن اتـّخذوهما حقـل تجارب.

إنّ الأغاني الشعبية التي تعود لفترة القفزة الكبرى نحو الأمام تبيّن عنجهيّة الـح ش ص وحُمقه :"فلتنحن ِ الجبال، فلتتنحّ الأنهار جانبًا" ؛ "ليس هناك امبراطور يشب في السماء، ليس هناك ملك تنين على الأرض. أنا هو امبراطور اليشب وأنا هو الملك التنين. أنا آمر الجبال الثلاثة والمصبّات الخمسة بالتنحّي جانبًا، فأنذا قد أتيت !" [15].

 إنّ الحزب الشيوعي قد أتى ! ومعه أتى تدميـر توازن الطبيعة والانسجام الأصلي للعالم.

2- بإدخال الاضطراب على الطبيعة، يجني الـح ش ص ما زرعه

من خلال سياسته الفلاحية التي تشغـَلُ فيها الحبوب مركز كلّ مخططاته، حوّل الـح ش ص كثيرًا من المناطق الشاسعة الجبلية الملتوية والمراعي التي لم تـُخلـَق لتكون أرضًا زراعية، حوّلها إلى أراض زراعية. لقد ردم أودية وبحيرات في الصين ليجعـل منها أراض فلاحية غنيّة. وماذا كانت النتيجة ؟ لقد زعم الـح ش ص أنّ نسبة إنتاج الحبوب في 1952 قد تجاوزت نسبة الإنتاج في الفترة القومية، ولكن ما لم يكشفه الـح ش ص أنّ نسبة الإنتاج الجمليّ للحبوب في الصين لم تتجاوز نظيرتها في عهد تشيانلونغ الآمن تحت حكم عائلة تشينغ سوى في عام 1972. إلى حدود يومنا هذا، تظلّ نسبة إنتاج الحبوب دون نظيـرتها في عهد حكم تشينغ. إنها لا تكاد تتجاوز ثـلث ما تمّ إنتاجه في حكم العائلة المالكة سونغ، الفترة التي بلغ فيها الإنتاج الفلاحي أوجه في كلّ تاريـخ الصين.

قطع الأشجار دون تمييـز وتسوية الأنهار وردم البحيرات لم تكن نتيجته سوى تخريب البيئة الصينية بصفة نهائية لا يمكن إصلاحها. نجد أنّ النظام البيئيّ في الصين اليوم هو على وشك الانهيار. جفاف نهر هاي والنهر الأصفـر، تلوّث نهر هواي ونهر يانغتسي قد قطعت جميعها العصب الحيوي الذي تعتمد عليه الأمّة الصينية في عيشها. مع اختفاء المراعي في غانسو، وفي تشينغهواي، وفي منغوليا الداخلية، وفي السيندجيانغ، اتجهت العواصف الرملية نحو السهول الوسطى.

في السنوات 1950، وتحت إشراف خبراء سوفيتيين، بنى الـح ش ص المولــّد الكهربائي المركزي الهيدرولي سانمانسيا على النهر الأصفر. هذا المولــّد الكهربائي لا ينتج سوى طاقة توليد لمركز توليد طاقيّ لنهر متوسط، رغم أنّ النهر الأصفر هو ثاني أكبر نهر في الصين. وأدهى من ذلك، تسبّب هذا المشروع في تراكم التراب والرمل في المنطقة العليا من النهر، بحيث ارتـفع مستوى قاع النهر. ونتج عن ذلك أنّ الفيضانات، حتـّى وإن كانت معتدلة، صارت تتسبّب في خسائـر بشرية وخسائـر مادية بالنسبة للسكان الموجودين على كلا ضفـّـتي النهر. في سنة 2003، وأثناء فيضان نهر واي، بلغت قمّة منسوب الماء 3.700 مترًا مكعّبًا في الثانية، وهو منسوب يأتي كلّ ثلاث – إلى خمس سنوات. ومع ذلك فإنّ الكارثة التي تسبّب فيها كانت الأخطر على مدى الخمسين سنة الماضية.

لقد تمّ إنشاء خزانات ماء كبيرة وعديدة جدّا في منطقة جوماديان، من مقاطعة هينان. في 1975، انهارت سدود هذه الخزانات، واحدًا تـلو الآخـر. في ظرف أقلّ من ساعتين، مات 60.000 شخصًا غرقـًا. وبلغ العدد الجمليّ للموتى 200.000.

يواصل الـح ش ص إلى اليوم تخريب أرض الصين دون مبرّر. إنّ السدّ على نهـر يانغتسي ومشروع نقـل ماء الجنوب نحو الشمال يمثلان محاولة من الـح ش ص لتغيير النظام البيئيّ، وتبلغ كـلفة هذا الاستثمار مئات مليارات الدولارات. دون الحديث طبعًا عن المشاريـع الصغيرة والمتوسطة لـ "مكافحة الأرض". وزيادة على ذلك قد تمّ مؤخرًا عرض الاقتراح التالي : وهو استعمال قنبلة ذرّية لفتح ممرّ على عرض الهضبة التيبتية لتشينغهاي ممّا سينتج عنه تغيير البيئة الطبيعية لغرب الصين. رغم أنّ عنجهيّة الـح ش ص واحتقاره لأرضه قد أثارا تقزّز العالم، فإنهما على كلّ حال لم يكونا أمـرًا مفاجئًا.

في السداسيات (باغوا) من كتاب التحوّلات (يي شينغ) [16]، كان الصينيون القدامى يعتبرون السماء "تشيان" (أو عنصر الخلق) ويقدّسونها بصفتها الطاوو السماوي. وكانوا يعتبرون الأرض "كون" (أو الرّحم) وكانوا يقدّسون طبيعة القابلية والتلقــّي فيها.

"كون"، السداسية التي تأتي بعد "تشيان"، مشروحة في كتاب التحولات كما يلي :"إنّ طبيعة الأرض، بما أنها توجد في سداسية "كون"، تتمثـل في كونها تتمدّد وتتـّسع وتـلبّي. وفي الطرف المقابل لها، نجد أنّ الكائنات العلوية تتحرّك وتحفظ كلّ شيءٍ، وتقوم بأعمال كلـّها فضائل."

يقول كونفوشيوس في تعليقه على كتاب التحوّلات :""كون" ليّنة جدّا، ومع ذلك، فإنّ حركتها مُحكـَمة. هي هادئة جدّا، ولكنّ طبيعتها صلبة. هي تتبـعُ، فتحظى بسيّدها، ولكنها تحافظ على طبيعتها الخاصّة بها، وهكذا فهي تتحمّـل. إنها تحتوي على كلّ شيءٍ وهي بارعة في عملية التحويل. ذلك هو صراط "كون" –إنها طيّعة جدّا، تـُسنِد السماء ومتغيّرة مع تغيّر الزمن."

إذ ًا من الواضح هنا أنّ كلّ الأشياء على الأرض لا تبقى قائمة ولا تزدهر سوى بفضل خصائص الاستجابة والخصائص الحاضنة للأرض الأمّ – النعومة، الهدوء، والقدرة على التحمّـل المتمثـلة في الامتثال للسماء. كتاب التحوّلات يعلمنا كيفيّة التصرّف القويم تجاه الطاوو السماوي وتجاه الخصوصيات الأرضية، فهو يفـرض علينا اتـّباع السماء وطاعة الأرض، واحترام الطبيعة.

ولكن الـح ش ص انتصب ضدّ "تشيان" وضدّ "كون"، مناديًا بـ "محاربة السماء ومكافحة الأرض". لقد نهب ثروات الأرض بلا مبرّر. وسيـبوء بعقاب السماء، والأرض، وقانون الطبيعة.

III. مكافحة السماء، بإزالة العقيدة وبرفض الإيمان بالله

1- أنـّى لكائن محدود أن يُدرك الفضاء والزمان اللا- متناهييْن ؟

سأل ادوارد، ابـن انشتاين، والده ذات يوم عن سبب شهرته. فأجاب انشتاين، مُشيـرًا إلى جُعـل أعمى كان يزحف على كرةٍ من الجلد، بأنّ ذلك الجُعـل لم يكن يعلم أنّ طريقه مُحدّب، ولكن هو - انشتاين - كان يعلم ذلك. إجابة انشتاين هذه تنطوي على دلالات عميقة جدّا. هناك مَثـل صيني يحتوي على دلالة مماثلة :"أنت لا تعرف الصورة الحقيقية لجبل "لـو" لأنك تـقف بالتحديد على جبل "لـو"." لفهم نظام مّا، يجب الخروج من هذا النظام وتأمّـله من خارج. لذلك، فإنّ الإنسانية، بمفاهيمها المحدودة، لن تكون أبدًا قادرة على فهم الطبيعة الحقيقية للفضاء والزمان اللا- محدوديْن في كوننا. لذا سيظلّ الكون إلى الأبد لغزًا بالنسبة للإنسانية.

المسائل التي يعجز العلم عن اختراقها تنتمي للميدان الروحي وللميتافيزيقا، أي ميدان "العقيدة".

العقيدة، وهي فعل واع ٍ يتضمّن تجربة الحياة وفهم الحياة، والزمان والمكان، والكون ؛ هي شيء يقـع خارج إطار ما يمكن لحزبٍ سياسيّ أن يُنظمه ويُديره. "أعطوا لقيصر ما هو لقيصر وأعطوا للإله ما هو للإله" [17]. ومع ذلك، فإنّ الـح ش ص، مستندًا إلى فهمه المُزري وعديم المنطق للكون والحياة، يسمّي كلّ ما يقـع خارج إطار نظريّاته "خرافة" ويُخضِـعُ أولئك الذين يؤمنون بالله إلى غسل دماغيّ لصرفهم عن دينهم. وأولئك الذين رفضوا الارتداد عن إيمانهم تمّ التشهير بهم بل وحتـّى قـتلهم.

العلماء الحقيقيون لديهم رؤية واسعة جدّا للكون، وهم لا ينكرون عدم وجود حدودٍ للـ "مجهول" بمفاهيمهم الشخصية المحدودة. العالم الشهيـر نيوتن يشرح في مؤلـّفه "قوانين رياضية" المنشور سنة 1687 - والذي أصبح مرجعًا - يشرح بالتفصيل القوانين الميكانيكية، قوانين تكوّن المدّ والجزر وحركات الكواكب، ويحسب حركات المجموعة الشمسية. نيوتن، هذا الرجل العلاّمة الكبير، كان يقول مرارًا أنّ كتابه لا يعدو أن يكون مجرّد وصف لظواهر سطحية، وأنه لا يجرؤ إطلاقـًا على الحديث عن الدلالة الحقيقية للربّ الأعلى الذي خلق الكون. في الإصدار الثاني لكتابه "قوانين رياضية"، عبّر نيوتن عن إيمانه بـ "أنّ هذا النظام، الرائع على الإطلاق، والمتكوّن من الشمس، والكواكب، والمُذنبات، لا يمكن أن يعمل سوى بإشراف وتحت حكم كائن عاقـل ومقتدر...تمامًا مثـل الأعمى الذي ليست لديه أيّ فكرة عن الألوان، نحن كذلك ليست لدينا أيّ فكرة عن الكيفية التي بها يُدرك أحكم كائن - وهو الإله - كلّ شيءٍ ويحيط به علمًا."

فلنترك جانبًا مسألة ما إذا كانت هناك جنـّات سماوية في الغيب (تتجاوز الزمان والمكان)، وما إذا كان الذين يتوقون للطريق يستطيعون العودة إلى أصلهم الإلهي واسترجاع كينونتهم الأصلية. هناك على الأقـلّ أمر يمكن أن نتـّـفق عليه جميعًا، وهو أنّ : كلّ أولئك الذين لديهم إيمان حقيقي يعتقدون أنّ جزاء الخير هو الخير وجزاء الشرّ هو الشرّ. الاعتقادات الحقــّـة تقوم بدور هامّ جدّا في الحفاظ على أخلاق الإنسانية على مستوىً معيّن. من أرسطو إلى انشتاين، عديدون هم الذين اعتقدوا في وجود قانون مُهيمن في الكون. لم تفتأ الإنسانية أبدًا تبحث بمختلف الوسائـل، عن حقيقة الكون. فإلى جانب العلم، لماذا لا يتمّ اعتماد الدين والإيمان و "العبادة" أيضًا كمقاربات أخرى لاكتشاف حقيقة الكون ؟

2- الـح ش ص يدمّر العقيدة الحقــّة للإنسانية

كلّ الأمم في الأصل قد اعتقدت في الله. وتحديدًا بفضل إيمان البشر بالله وبالقانون السببي (الكارمي) للخير والشرّ، يتقيـّدون بحدودٍ ويحافظون على الأخلاق في المجتمع البشري. على مرّ كلّ العصور، وفي كامل المعمورة، نجد في الغرب الديانات الأورثودوكسية*، وفي الشرق الكونفوشيوسية، والبوذية، والطاوية، كلــّها علــّمت البشر أنّ السعادة الحقيقية تأتي من الإيمان بالله، وتقديس السماء، والتحلــّي بالطيبة، وتقدير الإنسان للنـّعم التي بين يديه، والاعتراف بالفضل للآخرين، ومجازاة الإحسان بالإحسان.

من المعطيات الأساسية التي قامت عليها الشيوعية هي الإلحاد – أي الاعتقاد بأنه لا يوجد بوذا، ولا طاوو، ولا حياتات سابقة، ولا حياة بعد الموت، ولا جزاء كارمي. لذلك قال الشيوعيون في مختلف البلاد للفقراء وللبروليتاريا الرثة [18] أنهم ليسوا في حاجة إلى الإيمان بالله ؛ وليسوا في حاجة إلى احترام القوانين والحرص على التزام سلوك حسن. بالعكس، عليهم أن يلجؤوا للغشّ والعنف للحصول على الربح.

نجد أنّ الأباطرة في الصين القديمة، ورغم أنه يُنظـَرُ إليهم على أنهم أشخاص ذوو أصل رفيـع جدّا، كانوا يضعون أنفسهم في مرتبة تحت السماء، ويُسمّون أنفسهم "أبناء السماء". كانوا يُقرّون أنّ السماء تحكمهم وتراقبهم، وكانوا من حين لآخر ينشرون مرسومًا امبراطوريّا يُؤنّبون فيه أنفسهم ويُعبّرون عن ندمهم وتوبتهم. أمّا الشيوعيون، فكانوا يَحسَبون أنفسهم مُمثـلي الإرادة السماوية ؛ دون أيّ قانون أو زاجـر يحدّهم، كانوا يحسّون أنفسهم أحرارًا يفعلون ما يريدون. وكانت النتيجة أنهم بدَل أن يخـلقوا جنّة في الأرض، خـلقوا فيها جحيمًا تـلو الآخر.

كان ماركس، أبو الشيوعية، يعتقد أنّ الدين هو الأفـيون الروحي للشعوب. كانت تـُفزعه فكرة أنّ الشعب يؤمن بالله ويرفض شيوعيته. يحتوي الفصل الأول من كتاب انجلس، "ديالكتيكية الطبيعة" على انتقادٍ لماندالا ياف ومجموعته التي تدرس التصوّف.

لقد صرّح انجلس أنّ كلّ ما هو قادم من فترة القرون الوسطى أو ما قبلها، يجب أن يُبرّر وجوده أمام محكمة العقـل المنطقي البشري. عندما قام بهذه الملاحظة، كان بالتأكيد يرى نفسه، هو وماركس، قضاة هذه المحكمة المزعومة. عبّر باكونين، وهو أحد أتباع تيّار الفوضويّة وصديق لماركس، عن رأيه في ماركس في التعليق التالي :"كان يبدو وكأنه الله بالنسبة للناس. كان لا يقبـل بأحدٍ إلهًا باستثناء نفسه. كان يريد أن يقدّسه الناس كما يُفتـَرَضُ أن يفعـلوا تجاه الإله، وأن يقوموا نحوه بشعائر الولاء ويعبدوه. وإذا لم يتصرّف الناس كذلك، كان يهاجمهم لفظيّا أو يلاحقهم."

الإيمان الأصلي الأورثودوكسي يُمثـل بطبيعة الحال عائقـًا أمام عنجهيّة الشيوعية.

لقد فـقد الـح ش ص تمامًا برودة أعصابه أثناء اضطهاده للدين بطريقة محمومة. أثناء الثورة الثقافية، هُدِمت معابد عديدة ومساجد عديدة، وتمّ الطواف بالرهبان في الشوارع لإذلالهم. في التيبت، ألحِق َ الضرر بـ 90 % من المعابد. إلى حدّ يومنا هذا، يواصل الـح ش ص قمع االدين، وسجن عشرات الآلاف من المسيحيين. غونغ بينماي، وهو راهب كاثوليكي في شانغهاي، اضطـُهـِدَ من طرف الـح ش ص بسبب عقيدته. لقد تمّ سجنه لأكثر من 30 سنة. وقدم إلى الولايات المتـّحدة في السنوات 80. وقبل موته في سنّ الـ 90 ، كتب في وصيّـته :"أرجعوا قبري إلى شانغهاي عندما يزول حكم الـح ش ص من الصين". أثناء الـ 30 سنة التي سُجـِن فيها في زنزانة منفردة، ضغط عليه الـح ش ص لمرّاتٍ عديدةٍ لكي يتخلــّى عن عقيدته ويعتنق مبدأ اللجنة الوطنية [19] ذات الاستقلاليات الذاتية الثلاث التي يسيّرها الـح ش ص مقابل إطلاق سراحه.

في السنوات الأخيرة، نجد أنّ قمع الـح ش ص للفالون غونغ – الذي يدعو لمبادئ الحقّ والرحمة والصبر، هو تواصل لمذهبه "محاربة السماء" وفي نفس الوقت أيضًا هو نتيجة حتميّة لعملية إجبار الناس على التصرّف رغم إرادتهم.

الشيوعيّون المُلحدون يسعوْن للسيطرة على معتقدات الناس وعرقـلتها. إنهم يدّعون أنّ "مُحاربة السماء لذة لا تـُحَدّ". تعوزنا العبارات هنا لوصف افتقارهم للمنطق، وصف هذا الخلوّ من المنطق بكونه عنجهيّة أو ادّعاءًا مجنونـًا لا يمكن أن يعبّر حتـّى عن جزءٍ منه.

خاتمة

لو نتحدّث بصفة فعلية، فإنّ الشيوعية قد فشلت الآن في كلّ الأرض. جيانغ زمين، وهو الحاكم السابق لآخـر نظام شيوعيّ هامّ في العالم، قال في تصريـح له لأحد مراسلي صحيفة واشنطن بوست في مارس             2001 :"عندما كنت شابّا، كنت أعتقد في النصر القريب للشيوعية، أمّا اليوم فليست لديّ نفس الرّؤى" [20]. حاليّا، أولئك الذين يعتقدون في الشيوعية قلائل وهم بعيدون كلّّ البعد عن أن يُمثــّـلوا أغلبيّة.

إنّ الحركة الشيوعية مُقدّر لها بالفشل لأنها تنتهك قوانين الكون وتقـف ضدّ السماء. قوّة كهذه تنتصب ضدّ الكون سيؤول مصيرها إلى عقاب من المشيئة السماوية ومن الأرواح الإلهية.

رغم أنّ الـح ش ص قد خرج عديد المرّات من أزماته سالمًا وعلى قيد الحياة، مغيّـرًا صورته تارة ً ومتشبّـثـًا تارة ً أخرى بحيله الأخيرة، فإنّ مصيره المقضي والمحتوم يتراءى بوضوح للجميـع في كلّ العالم. إنّ الـح ش ص، إذ تسقط عنه أقنعته الخدّاعة واحدًا تـلو الآخر، ينبري للعالم في صورته الحقيقية، وهي البُخل، والعنف، وانعدام الذمّة، والجبن، والكراهية، ومناهضة الكون. إلى يومنا هذا، يواصل الهيمنة على عقول الناس، ويواصل تشويه الأخلاق الإنسانية، ويعيث فسادًا في مجال الأخلاق والسلم والتقدّم.

إنّ الكون الشاسع يحمل في طيّاته الإرادة السماوية التي لا رادّ لها، والتي يمكن أن نسمّيها أيضًا المشيئة الإلهية أو قانون وقوّة الطبيعة. لن يكون للإنسانية مستقبل إلاّ إذا احترمت مشيئة السماء، واتـّبعت طريق الطبيعة، وامتثـلت لقانون الكون، وأحبّت كلّ الموجودات تحت السماء.

ملاحظات :

1- لاوو تسي، "الطريق وفضيلة الطريق (طاوو تي كينغ)"، ترجمة فرانسوا هوانغ وبيار لايريس، مطبعة سوي، مجموعة : بوان ساجاس، باريس، 1979، ص 69.

2- نفس المرجع.

3- ترجمة حرّة عن النسخة الصينية لكتاب "منشيوس"، منشيوس، دار النشـر فراندشيب بشاندونغ، الصين 2001.

4- سان تسي دجينغ، كتاب الحروف الثلاثة، ترجمة ديفارغ، يونيو 2005.

5- ترجمة حرّة عن النسخة الصينية لكتاب منشيوس، منشيوس، دار النشـر بشاندونغ، الصين 2001.

6- كارل ماركس، "مساهمة في نقد فلسفة الحقّ المدني لهيغل"، ترجمة جول موليتور، طبعة آلياس 1998.

7- ليون تروتسكي (1879-1940)، منظر شيوعي روسي، ومؤرّخ وقائد عسكري، وهو الذي قام بتأسيس الحرس الأحمر. وقد وقع اغتياله في 22 أغسطس 1940 من طرف أعوان ستالين.

8- حسب بو سي أو شو هسي (1130-1200)، وهو معروف أيضًا باسم جو- تسي أو شو- تسو، وهو عارف ومفكـّر نيو- كونفوشيوسي في عهد الأسرة المالكة سونغ، الدراسة الصغيرة (سياوو سو) تشرح التصرّف الحسن الذي ينبغي التحلــّي به والدراسة الكبرى (دا سو) تشرح بإفاضة القوانين التي تقوم عليها هذه التصرّفات. المصدر : محادثات المعلــّم جو (جو تسي يولاي)، المجلـّد 7 (الدرس الأول).

9- لين بياوو (1907-1977)، أحد كوادر الـح ش ص العليا ومسيّريه. وقد عمل تحت إمرة ماوو بصفته أحد أعضاء المكتب السياسي الصيني، وشغل فيه منصب نائب رئيس (1958)، ووزيـر دفاع (1959). يُعتـَبَرُ لين المُخطـّط للثورة الثقافية الكبرى في الصين. وقد عُـيّن لين كخَلـَفٍ لماوو في 1966، ولكنه تمّت إقالته في 1970. وعندما أحسّ بسقوطه القريب، شارك في مؤامرة انقلاب سياسية ثمّ عندما انكشفت المؤامرة حاول الهرب إلى الاتحاد السوفياتي. أثناء محاولته تلك الهرب من التتبعات العدلية، تحطمت طائرته في منغوليا مسبّبة موته.

10- ماوو تسي تونغ، ماوو تسي تونغ، في الأدب والفنّ، طبعة صادرة بلغة أجنبية، بيكين، 1967، ص8.

11- مرض تسبّبه دودة طفيلية، الاتصال بالماء الجاري الملوّث بهذه الدودة يمكن أن يؤدّي للإصابة بهذا المرض. من العوارض النموذجية لهذا المرض : الحمّى، الارتجاف، نوبات سعال وآلام عضليّة. أكثر الحالات خطورة هي عندما يُصيب هذا المرض الكبد أو الأمعاء أو الرئتيِن أو المثانة، أو حتـّى أنه في حالاتٍ نادرة يسبّب نوبات صرع أو شللاً أو التهابًا في النخاع الشوكي.

12- لاوو تسي، "الطريق وفضيلة الطريق (طاوو تي كينغ)"، مطبعة سوي، مجموعة بوان ساجاس، باريس 1979، ص23.

13- دجين، وحدة صينية لقيس الأوزان (1 دجين = 0.5 كيلوغرام). مو، وحدة صينية لقيس مساحات الأراضي (1 مو = 0.165 أكرًا).

14- ترجمة حرّة عن النص الأصلي الصيني.

15- امبراطور اليشب والملك التنين هما شخصيتان ميثيولوجيتان. امبراطور اليشب يُعرَفُ رسميّا بذي اليشب الجليل المهيب، ويعرفه الأطفال والناس ذوو الثقافة المتواضعة بـ "الجدّ السماويّ"، وهو حاكم السماوات وأحد أهمّ الآلهة في مجمع الآلهة الطاويّ. الملك التنين هو حاكم المحيطات الأربعة. كلّ محيطٍ يوافق الاتجاهات الرئيسية الأربعة ويحكمه ملك تنين. الملوك التنينات تعيش في قصور من الكريستال، يحرسها جنود قريدسات وقوّاد سرطانات. بالإضافة إلى سيادتها على الحياة المائيّة، تتحكم الملوك التنينات أيضًا في السحاب والمطر. يُقال أن الملك التنين الذي يحكم بحـر الشرق هو صاحب المملكة الأكثر اتـّساعاً.

16- "يي كينغ" الكامل، ترجمة ألفريد هوانغ. روشستر ف ت : التقاليد الأولى (1998).

17- كتاب التوراة المقدّس، ماتيو، 21، 22.

18- لومبونبروليتاريا، وتـُتـَرجَمُ على حسب التقريب إلى : عمّال الأحياء الحقيرة، هذا اللفظ يعني : طبقة منبوذي المجمتع، المنحطـّون أوالمخالفون للقانون والذين يكوّنون شريحة ضمن سكـّان المراكز الصناعية. وهو يضمّ أيضًا المتسوّلين والعاهرات وقطاع الطرق والابتزازيين والنصابين وصغار المجرمين والمتسكعين والعاطلين عن العمل والأشخاص المرفوتين من مجال الحرف والصنائع بصفة مزمنة أو بصفة دائمة، وكلّ شخص ذي منزلة وضيعة في المجتمع. وماركس هو من استنبط هذا اللفظ في صراع الطبقات في فرنسا، 1848-1850.

19- اللجنة الوطنية للاستقلاليات الثلاث (سي بي تي آ)، وهي من صنع الـح ش ص. الاستقلاليات الثلاث هي: "الحكم الذاتي، استقلالية الموارد، واستقلالية النشـر". اللجنة الوطنية للـ "استقلاليات الثلاث" تطلب من المسيحيين الصينيين أن يقطعوا كلّ صلةٍ مع المسيحيين خارج الصين. الـ "سي بي تي آ" تتحكـّم في كلّ موظفي الكنائس بالصين. والكنائس التي لم تـلتحق بهذه الحركة تمّ إغلاقها بالقوّة. مسيّرو الكنائس المستقـلـّة وأتباعها يتمّ اضطهادهم وكثيرًا ما يُحكـَمُ عليهم بالسجن.

20- جوهن بومفري "جيانغ يحذر الولايات المتحدة – الزعيم الصيني يقول أنّ مسألة أسلحة تايوان هي بمثابة حافز على الرقي والازدهار"، واشنطن بوست، 24 مارس 2001 (ترجمة حرّة).

 

 

جميـع الحقوق محفوظة للناشر - صحيفة الإيبوك تايمز