المقالة السادسة : كيف دمّر الحزب الشيوعي الثقافة الموروثة

لافتة كبيرة ضمن حملة "انتقاد لين بياوو

وكونفوشيوس" (إي آف بي/صور غاتي(

توطئة

الثقافة هي روح الأمّة. الثقافة هي عامل هامّ بالنسبة للبشر، لا يقلّ أهمّية عن العوامل المادية الملموسة مثل العرق والأرض. إنّ تاريخ حضارة أمّةٍ مّا، في جزءٍ كبير منه، هو رهين إنجازاتها الثقافية. والتدمير الكامل للثقافة الموروثة للأمّة لا ينجـرّ عنه سوى اندثار تلك الأمّة. إنّ أممًا سالفة ذات حضارات مجيدة وتليدة قد اندثرت وزالت لمّا دُمّرت ثقافاتها، على الرغم من أنّ بعض عناصرها العرقية كانت لا تزال موجودة بعدُ. الصين هي البلد الوحيد في العالم الذي تواصلت حضارته على مدى 5000 سنة دون انقطاع. إنّ تدمير حضارته وتراثه هي جريمة لا تـُغتفر.

ثقافة الصين وتراثها، والذي نعتقد أنهما إرث إلهي، قد بدآ بأساطير مثل خلق السماء والأرض بيد بانغو [1]، خلق البشر بيد نووا [2]، أسطورة تعريف مئات الحشائش الطبية من طرف شانونغ [3] وأسطورة اختراع الكتابة الرمزية الصينية من طرف ساندجي [4]. "الإنسان يتبع الأرض، والأرض تتبع السماء، والسماء تتبع الطاوو، والطاوو يتبع ماهو طبيعي." [5] الطاوية تتحدث عن الوحدة بين السماء والأرض، تلك هي الحكمة التي تجري في عروق الثقافة الصينية. "التعاليم الكبيرة تحثّ دائمًا على التحلـّي بالفضيلة واكتساب الفضيلة." [6] منذ 2000 سنةٍ، فتح كونفوشيوس مدرسة لتعليم الطلاب وبلـّغ للمجتمع المُثل الكونفوشيوسية المتمثلة في الفضائل الرئيسية الخمسة وهي : الطيبة (الإحسان)، الاستقامة، التهذيب، الحكمة، والوفاء. في القرن الأوّل، وصلت بوذية ساكياموني إلى غرب الصين مُحمّلة ً بوعود الرحمة والتخليص لكلّ الكائنات، وكانت النتيجة أن اكتسبت الثقافة الصينية المزيد من الثراء والتنوّع والعمق. ثمّ أصبحت الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية على التوالي عقائد مُكمّلة للمجتمع الصيني، موصلة ً الأسرة المالكة التانغ (618 ـ 907) إلى قمّة المجد والازدهار، مثلما هو معروف لدى الجميع. 

ورغم أنّ الأمّة الصينية تعرّضت مرّاتٍ عديدة في التاريخ للغزو والهجمات، فإنّ الثقافة الصينية برهنت على مقاومةٍ وصمودٍ كبيريْن، واستمرّ جوهرها وروحها في التناقل جيلاً بعد جيل. إنّ وحدة السماء والبشر هي كوسمولوجيا أجدادنا. عمل الخير سيُثاب وعمل الشرّ سيُعاقبُ، هذا أمر مُتعارف عليه، إنه المبدأ الأساسي المتمثل في : لا يجب أن نفعل بالآخرين ما لا نُحبّ أن يُفعَلَ بنا. مبادئ "الإخلاص، البرّ بالوالديْن، الكرامة، والعدل" قد وضعت المعايير الأساسية التي تـُحدّد حياة الفرد البشري في هذا العالم. "الطيبة، الاستقامة، التهذيب، الحكمة، والوفاء" أصبحت مقاييس الأخلاق سواءً بالنسبة للفرد أو كلّ المجتمع. مع مبادئ كتلك، كانت الثقافة الصينية تـُجسّم النزاهة، والطيبة، والانسجام، والتسامح. إنّ الأنصاب الجنائزية التي يُقيمها الشعب الصيني تعبّر عن احترام وإجلال "السماء، الأرض، الحاكم، الوالدين، والمعلم"، إنه تعبير ثقافي عن التقاليد الصينية المتجذرة بعمق، والتي تضمّ تقديس الآلهة (السماء والأرض)، الولاء للوطن (الحاكم)، القيم الأسرية (الوالدين) واحترام المعلمين. إنّ الثقافة الأصيلة كانت تنشُدُ الانسجام بينم الإنسان والكون وتضع الثقل على الأخلاق وعلى السلوك الذي يجب أن يتحلـّى به الفرد. كانت تنبني على الاعتقاد في ممارسات الكونفوشيوسية، والبوذية، والطاوية، وتجلب معها للشعب الصيني التسامح، والرقيّ الاجتماعي، والحفاظ على الأخلاق البشرية والعقيدة الحقة.

خلافـًا للقانون، الذي يفرض قواعد صارمة، تمارس الثقافة تأثيرها كضابط ليّن. القانون ينفـّذ الحكم بالعقوبة بعد أن تـُرتكب الجريمة، ولكن الثقافة، بتعهّدها للأخلاق، تحول دون ارتكاب الجريمة أصلاً. إنّ القيم الأخلاقية لمجتمع مّا غالبًا ما تنضوي داخل ثقافته.

في تاريخ الصين، بلغت الثقافة الكلاسيكية  أوجها أثناء فترة حكم سلالة التانغ، تلك الفترة المزدهرة، والتي تتزامن مع قوّة وعظمة الأمّة الصينية. العلم، والذي كان متقدّمًا ومزدهرًا أيضًا، كان يحظى بمكانة خاصّة ومتميّزة بين باقي الأمم. كان هناك علماء من أوروبا، من الشرق الأوسط، ومن اليابان، يقصدون شانغآن ـ عاصمة مملكة التانغ، للدراسة. كانت البلدان المجاورة تعتبر الصين سيّدتها. "كانت بلدان عديدة تأتي لتدفع الضرائب للصين ولو اضطرّت من أجل ذلك إلى المرور عبر عديد المترجمين  والمرور عبر جمارك متتالية." [7]

بعد مملكة التشين (221 ـ 207 ق م)، وقع احتلال الصين مرّات كثيرة من طرف أقليات، وخاصّة أثناء فترة ممالك السوي (581 ـ 618)، التانغ (618 ـ 907)، اليوان (1271 ـ 1361)، والتشينغ (1644 ـ 1911) ومرّات قليلة في عهود أخرى عندما أسّست الأقليات العرقية أنظمة حكم خاصّة بها. ومع ذلك، فإنّ هذه المجموعات العرقية ـ تقريبًا كلـّها ـ امتصّت العادات والتقاليد الصينية بصفة كلية، الأمر الذي يدلّ على قدرة الاندماج الكبيرة لدى الثقافة والتراث الصينييْن. وكما كان كونفوشيوس يقول :"(وهكذا) إن لم يكن الغرباء دمثي الطبع، قودوهم إلى ممارسة ثقافتنا وفضيلتنا." منذ استحواذه على السلطة في 1949، سخـّر الح ش ص كل موارد الأمّة لتدمير الثقافة الصينية العريقة الثرية. هذه النية السيئة لم تأت من حبّه وتحمّسه للتصنيع، ولا من انبهاره المُضحك بالحضارة الغربية. لقد أتت من التصادم الايديولوجي العميق بين الح ش ص والثقافة الصينية العريقة. لقد خطط الح ش ص لتدمير الثقافة الصينية، ثم نظمه وطبّقه، مستعينـًا بإرهاب الدولة الموجود. منذ تأسيسه، لم يكفّ الح ش ص أبدًا عن "إدخال الثورة" على الثقافة الصينية بنيّة  القضاء تمامًا على روحها. [8]

والأمر المؤسف أكثر من تدمير الثقافة الموروثة على يد الح ش ص، هو الاستغلال المقصود لهذه الثقافة وإدخال تغييراتٍ عليها. لقد شجع الح ش ص من النواحي السيئة في تاريخ الصين، تلك الأشياء التي حدثت كلّ مرة ابتعد فيها الناس عن القيم الأخلاقية الأصيلة، مثل صراع أطراف العائلة المالكة وتطاحنها، استعمال الاستراتيجيات وحبك المؤامرات، وممارسة الديكتاتورية والاستبداد. لقد استعمل أمثلة تاريخية لكي تساعده على خلق مجموعة القيم الأخلاقية الخاصة به، وطرق تفكيره ولغته. وهكذا أعطى الح ش ص الانطباع ـ الخاطئ ـ أنّ "ثقافة الحزب" هي الاستمرار الطبيعي للثقافة الصينية الأصيلة. بل لقد استغلّ الح ش ص كره بعض الأشخاص لـ "ثقافة الحزب" لكي يحرّض أكثر وأكثر على التخلـّي عن التراث الصيني الحقيقي.

إنّ تدمير الثقافة العريقة بيد الح ش ص كانت له نتائج كارثية في الصين. لا فقط فقد الناس معاييرهم الأخلاقية، ولكن أيضًا تمّت مذهبتهم ـ غصبًا ـ باستعمال النظريات الفاسدة للح ش ص.

I. لماذا أراد الح ش ص تدمير الثقافة الصينية ؟

1- الإرث الطويل للثقافة الصينية ينبني على الإيمان والفضيلة

 الثقافة الحقيقية للأمّة الصينية بدأت منذ 5000 سنة تقريبًا مع الامبراطور الأسطوري هوانغ، والذي يُعتبر الجدّ الأول للشعب الصيني. المعروف عن الامبراطور هوانغ أيضًا أنه أسّس الطاوية ـ والمعروفة أيضًا باسم المدرسة الفكرية هوانغ لاوو (لاوو تسي). نلمس الأثر العميق الذي تركته الطاوية على الكونفوشيوسية من خلال أقوال كونفوشيوس التالية :"البحث عن الطاوو، والالتزام بالفضيلة، التحلـّي بالطيبة والإحسان، والانغماس في الفنون" ؛ "إن سمع أحدهم الطاوو في الصباح، يمكنه أن يموت بلا حسرةٍ في المساء". [9] أحد أهمّ عيون الكتب الصينية، كتاب التحوّلات (يي كينغ)، هو مجموع ملاحظاتٍ بخصوص السماء وبخصوص الأرض، اليين واليانغ، التغيّرات الكونية، الرقيّ الاجتماعي والتقهقر، وقوانين الحياة البشرية، إنّ صحّة نبوءة هذا الكتاب قد فاقت بكثير ما يمكن للعلم الحديث أن يتصوّره. وبالإضافة إلى الطاوية، والكونفوشيوسية، كان للبوذية، وخاصّة بوذية الزان، تأثير خفيّ ولكنه عميق على المثقفين الصينيين.

الكونفوشيوسية في الثقافة الصينية العريقة هي الجزء الذي يركـّز على "الدخول إلى العالم البشري". هي تضع الثقل على منهج أخلاقي ينبني على الأسرة، وخصلة البرّ بالوالدين تشغـَل فيه مكانة هامّة جدّا، إذ هي تلقـّن أنّ "الإحسان يبدأ من البرّ بالوالدين". كان كونفوشيوس يدعو إلى أنّ "الإحسان يبدأ من البرّ بالوالدين". كان كونفوشيوس يدعو إلى :"الإحسان، الاستقامة، التهذيب، الحكمة، والوفاء" ولكنه قال أيضًا :"أفليس البرّ بالوالدين والحبّ الأخويّ أصل الطيبة والإحسان ؟"

المنهج الأخلاقي الأسريّ يمكن تطبيقه أيضًا على الأخلاق في المجتمع ككلّ. البرّ بالوالدين يمكن تطبيقه أيضًا على الولاء تجاه الحاكم. يقال أنه "من النادر أن يقوم إنسان بارّ بوالديه بالتهجم على من هم أعلى منه مرتبة". [10] الحبّ الأخوي يمكن أيضًا أن ينسحب على الإخلاص نحو الأصدقاء. يعتقد الكونفوشيوسيون أنه داخل الأسرة، ينبغي على الأب أن يكون عطوفـًا، والابن مخلصًا بارّا، والأخ الأكبر ودودًا، والأخ الأصغر مُحترِمًا. هنا، العطف الأبوي يمكن أيضًا أن ينطبق على عطف الحاكم تجاه الرعية. طالما أنّ القواعد الأخلاقية الأسرية يمكن الحفاظ عليها، فذلك يعني أيضًا ديمومة الأخلاق في المجتمع. "تعهّد الذات، ضبط أمور الأسرة، حكم الدولة بالعدل، وتوفير الراحة والسعادة لكلّ المملكة" [11].      

خلافـًا لذلك، البوذية والطاوية في الثقافة الصينية هما الجزء الذي يركـّز على "الخروج من العالم الدنيوي"، ويسير بالناس في ترقـّيهم الروحي. إنّ تأثير البوذية والطاوية ينعكس على كل نواحي الشعب الصيني. الممارسات المتجذرة في الطاوية تضمّ الطب الصيني، التشيكونغ، ضرب الرمل، والتنجيم. هذه الممارسات، بالإضافة إلى المفاهيم البوذية المتمثلة في الجنة والجحيم، في الثواب والعقاب، قد كوّنت ـ بالتعاون ـ مع القواعد الأخلاقية الكونفوشيوسية ـ نواة الثقافة الصينية العريقة.

منحت المعتقدات الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية للشعب الصيني نظامًا أخلاقيّا متينـًا وثابتـًا، باقيًا "ما بقيت السماء". [12] هذا النظام الأخلاقي قد وفـّر أرضيّة لاستقرار دائم، وللسلام والانسجام داخل المجتمع.

موضوع الأخلاق ينتمي للميدان الروحي، لذلك فهو غالبًا ما يكون مفهوميّا. الثقافة تترجم هذا النظام الأخلاقي المجرّد إلى لغة مفهومة لدى الجميع. 

فلنأخذ مثلاً الكتب الكلاسيكية الصينية الأربعة، والتي هي الروايات الأكثر شهرة في الثقافة الصينية. "السفر إلى بلاد الغرب" [13] هو قصة أسطورية. "حلم داخل الجناح الأحمر" [14] يبدأ بحوار بين صخرة حيّة، إلهة الفضاء اللاّ متناهي، وطاوو الزمان اللاّ متناهي، على الساحل الصخري الذي لا قاع له، والموجود بجبل الضياع الأكبر. هذا الحوار يتضمن الخطوط العريضة للمأساة الإنسانية التي تدور أحداثها في الرواية. "على ضفاف الماء" [15] تبدأ بقصة حول هونغ تايواي، المسؤول عن الشؤون العسكرية، والذي بسبب إهماله تسبّب في إفلات 108 شيطانـًا. هذه الأسطورة تفسّر أصل الـ "108 المحاربين الشجعان المارقين عن القانون". "الممالك الثلاثة" [16] تبدأ بإنذار من السماء بوقوع كارثة، يُنبئ بحكم المشيئة الإلهية والذي لا رجعة فيه :"أمور هذا العالم الأرضي تتدفق مثل سيل متواصل، قدَرٌ مُسطرٌ من السماء لا يحدّ امتداده شيئ، يُنهي كل شيء." وحكايات مشهورة أخرى، مثل حكاية قوم الـ "جو" الشرقيين [17]، والقصّة الكاملة ليوفاي [18]، تبدأ بأساطير مماثلة.

إنّ توظيف الأساطير من طرف هؤلاء الرّواة لم يكن مصادفة، بل انعكاسًا للفلسفة الأساسية للمثقفين الصينيين، هذه الفلسفة التي تنتمي للطبيعة وللإنسان ـ إنه تأمّل وتفكـّر في الأصل الإلهي للحياة البشرية. هذه الروايات كان لها عميق الأثر في نفس الشعب الصيني إلى درجة أنّ شخصياتها باتت رمزًا لبعض القيم الأخلاقية. مثلاً عند الحديث عن مفهوم "الاستقامة"، ما يتبادر إلى ذهن الناس هو غوان يو (160 ـ 219) في الممالك الثلاثة ـ يتذكرون كيف أنّ نزاهته واستقامته قد تخطـّتا حدود السحاب وبلغتا السماء، وكيف أنّ ولاءه الراسخ لقائده ليو باي جعله جديرًا بالاحترام حتـّى من طرف أعداءه، وكيف أنّ شهامته في المعركة كانت لها الكلمة الأخيرة حتـّى في أصعب الظروف، وحتـّى في هزيمته النهائية في معركة على مقربة من مدينة ماي، وأخيرًا، وعندما أصبح إلهًا من الآلهة، الحديث الذي دار بينه وبين ابنه. عند الحديث عن "الولاء"، يتبادر لأذهان الناس بالطبع ليو فاي (1103 ـ 1141) القائد الأكبر في مملكة سونغ والذي خدم بلاده بإخلاص وولاء لا ينضبان، وجوغو ليانغ (181 ـ 234) الوزير الأول في دولة شو أثناء فترة الممالك الثلاث والذي "بذل نفسه بسخاءٍ إلى أن توقف قلبه نهائيّا عن النبض".

مدح الولاء والاستقامة في الثقافة العريقة الصينية كله قد بُني عبر القصص الجميلة لهؤلاء الكتـّاب. القيم الأخلاقيةالمجرّدة التي تتبناها هذه القصص تمّ تجسيمها بصفة خصوصية وتجسّدت في أشكال تعبيرية ثقافية.

الطاوية تضع الثقل على الحق، البوذية تضع الثقل على الرحمة، والكونفوشيوسية تشيد بالولاء، والحلم، والإحسان، والاستقامة. "إن كانت أشكالها تختلف، فإنّ غاياتها مماثلة...كلها تشجّع الناس على العودة إلى الطيبة." [19] هذه هي الجوانب الثمينة في الثقافة الصينية الأصيلة المبنية على الإيمان بالكونفوشيوسية، والبوذية، والطاوية. 

لقد علـّمت الثقافة الصينية الأصيلة الناس مفاهيم ومبادئ هامة مثل : السماء، الطاوو، الله، بوذا، القدر، الرابطة القدرية، الإحسان، الاستقامة، التهذيب، الحكمة، الإخلاص، النزاهة، البرّ بالوالدين، الكرامة، الخ. ربما كثير من الصينيين أمّيون ولكنهم قد ألفوا المسرحيات والأوبرا التقليدية التي يتعلمون من خلالها الأخلاقيات الأصيلة. هذه الأشكال الثقافية كانت على غاية من الأهمية في نقل التراث الصيني. إذ ًا فتدمير الثقافة والتراث الصينيين من طرف الح ش ص هو بدون شك طعن في الأخلاقيات الصينية وهدمٌ لأسس السلام والانسجام في المجتمع.

2- النظرية الشيوعية الفاسدة تقف على طرف النقيض من الثقافة والتراث

إنّ "فلسفة" الحزب الشيوعي هي على طرف النقيض من الثقافة الصينية الأصيلة الحقة. الثقافة الأصيلة تحترم حكم السماء، مثلما قال ذلك كونفوشيوس مرّة :"الحياة والموت مُقدّران، والغنى والمركز الاجتماعي تقسّمهما السماء". [20] البوذية والطاوية تؤمنان بالإله، بدورة الحياة والموت والتجسد، وبالقانون الجزائي : الكارما، الذي يمثل جزاء الخير وجزاء الشر. على عكس ذلك، الحزب الشيوعي، لا فقط يعتقد في الإلحاد، ولكنه أيضًا يتحدّى الطاوو ويتهجم على القوانين السماوية. الكونفوشيوسية تقدّر قيمة وأهمية الأسرة، أمّا بيان الحزب الشيوعي فيدعو صراحة إلى حلّ الكيان الأسري. الثقافة الأصيلة تفرّق بين الصيني والأجنبي، أمّا بيان الحزب الشيوعي فينادي بزوال مفهوم القومية. الثقافة الكونفوشيوسية تعلم الإحسان إلى الآخر، أمّا الحزب الشيوعي فيشجع على الصراع بين الطبقات. الكونفوشيوسيون يدعون إلى الولاء والإخلاص لذوي النفوس النبيلة والرفيعة وإلى حب الوطن، أمّا بيان الحزب الشيوعي فيشجع على إزالة الأمم.

للحصول على السلطة والحفاظ عليها في الصين، كان على الحزب الشيوعي بادء ذي بدءٍ أن يغرس أفكاره وفلسفته اللاّـ أخلاقية في الأرض الصينية. لقد صرّح ماوو تسي تونغ بما يلي :"كل مرّة نريد فيها الإطاحة بحكمٍ مّا، يجب أوّلاً الاعتناء جيّدًا بالدعاية ومسألة الإيديولوجيا".[21] لقد فهم الح ش ص أنّ النظرية الشيوعية العنيفة، إن لم تكن مدعومة سوى بالسلاح، فلن تعدو أن تكون قمامة المفاهيم والايديولوجيات الغربية، وليس بوسعها أن تقف في مواجهة الـ 5000 سنة من تاريخ الثقافة الصينية العميق. لذلك دمّر تدميرًا كاملاً هذه الثقافة الأصيلة، ليتسنى للماركسية واللينينية أن يحتلاّ الساحة السياسية للصين.

3- الثقافة العريقة حاجز أمام ديكتاتورية الح  ش ص

قال ماوو تسي تونغ مرّة قولة صدق، أنه لا يتـّبع الطاوو ولا السماء. [22] لقد مثلت الثقافة الصينية العريقة حجر عثرة ضخمًا أمام رغبة الح ش ص في تحدّي الطاوو ومناصبة العداء للسماء.

الولاء في الثقافة الصينية العريقة لا يعني تفانيًا أعمى. في نظر الشعب، الامبراطور هو "ابن السماء" ـ والسماء فوقه. الامبراطور لا يمكن أن يكون مُصيبًا دائمًا. لذلك كان هناك مُراقبون يشيرون على الامبراطور بأخطاءه. النظام الصيني للحوليّات يضم مؤرخين كانوا يسجلون كل كلمات وحركات الامبراطور. كان يمكن أن يقوم العلماء بدور الأساتذة والمعلمين لملوكهم الحكماء، وكان سلوك الامبراطور يتمّ تقييمه وفق المراجع الكلاسيكية الكونفوشيوسية. إذا كان الامبراطور عديم الأخلاق، ولا يفهم الطاوو، كان الشعب يستطيع ان ينهض ويُطيح به، مثلما هو موجود في هجوم دجيي بشانغتانغ أو خلع حكم الـ "جو" على يد الملك "وو" [23]. هذه الثورات، من منظور الثقافة العريقة، لم تكن تـُعتبر انتهاكـًا لمبدأ الولاء أو الطاوو، بل بالأحرى كانت تطبيقـًا للطاوو باسم السماء. عندما اقتيد القائد العسكري الشهير وان تيانسيانغ سجينـًا (1236 ـ 1283) [24]، رفض الاستسلام للغزاة المغول، حتى بعد أن حاول الامبراطور إقناعه بذلك. لأنه بصفته كونفوشيوسيّا، كان يؤمن بأنّ "الشعب يأتي في المرتبة الأولى أهمية، وبعده يأتي الوطن، ثم يأتي الحاكم في مرتبة أقل أهمية." [25]

لم تكن ديكتاتورية الح ش ص لتقبل أبدًا هذه الاعتقادات الأصيلة. كان الح ش ص يسعى لجعل قوّاده الخاصين محلّ تقديس من طرف الشعب، وينشر عبادة الفرد. لم يكن ليترك مفاهيم قديمة مثل السماء و الطاوو والآلهة تتحكـّم من فوق. كان الح ش ص يعلم جيّدًا أنّ ما يفعله ـ حسب مقاييس الثقافة الأصيلة ـ كان يُعتبر جريمة في حق السماء وحق الطاوو. كان أيضًا يعي جيّدًا أنّه مادامت الثقافة الأصيلة موجودة، فالناس لن يمتدحوا "عظمة الح ش ص، ومجده، وكماله"، وأنّ العلماء سيواصلون على الدرب التقليدي المتمثل في "تعريض حياتهم للخطر في سبيل انتقاد التصرفات السيئة للحاكم"، وفي "الحفاظ على العدل ولو دفعوا حياتهم ثمنـًا لذلك" [26]، وفي وضع الشعب في مكانة فوق مكانة الحكـّام. إذ ًا فالشعب بهذه الطريقة لن يصير أرجوزة بيد الح ش ص والح ش ص لن يتسنـّى له أن يفرض طريقة تفكير موحّدة على الجماهير.

كما أنّ احترام السماء والأرض والطبيعة الموجود في الثقافة الأصيلة أصبح عائقـًا أمام "مكافحة الطبيعة" التي أتى بها الح ش ص ومحاولته لـ "تغيير السماء والأرض". الثقافة العريقة تعلم أنّ الحياة البشرية غالية وتعلم أنّ "كلّ وضعية تكون فيها الحياة البشرية في الميزان يجب أن يتمّ تناولها بعناية واهتمام فائقيْن". هذه النظرة كانت بالطبع عائقـًا أمام المجازر الجماعية للح ش ص وحكمه المرعب. وأخيرًا مقياس "الطاوو السماوي" الذي تعتمده الثقافة العريقة من شأنه أن يُعرقل ويقف حائلاً أمام تلاعب الح ش ص بالمبادئ الأخلاقية. لكلّ هذه الأسباب، قام الح ش ص بمناصبة العداء للثقافة العريقة بغاية الحفاظ على سلطته.

4- الثقافة العريقة تتحدّى شرعيّة حكم الح ش ص

الثقافة الموروثة تعتقد في الإله وفي حكم السماء. الرّضا بمشيئة السماء يعني أنّ الملوك يجب أن يكونوا حكماء، ويتـّبعوا الطاوو، ويرضوْا بالقدر والمصير. الإيمان بالآلهة يعني ضمنيّا الاعتراف بأنّ سلطة البشر تنبع من السماء. على طرف النقيض من ذلك، نجد أنّ مبدأ سيادة الح ش ص يتلخـّص في "لن تقيّدنا قيود التراث أبدًا بعد اليوم، انهضوا أيها العمّال، تحرّروا من العبودية. الأرض ستنبني على أسس ٍ جديدةٍ ؛ نحن الآن لا شيئ ولكننا سنغدو كلّ شيءٍ". [27]

الح ش ص يروّج للمادية التاريخية، ويدّعي أنّ الشيوعية هي جنّة على الأرض، وأنّ طلائع البروليتاريا أو أعضاء الحزب الشيوعي هم من يقود خطانا على الطريق إلى هذه الجنّة. إذ ًا فالاعتقاد في الله كان تحدّيًا مباشرًا لشرعيّة حكم الح ش ص.   

II. كيف يعرقل الحزب الشيوعي الثقافة الموروثة

كلّ ما يفعله الح ش ص له غاية سياسية. بهدف إرساء الطغيان والإبقاء عليه وتدعيمه، كان على الح ش ص أن يستبدل الطبيعة البشرية بطبيعة الحزب الفاسدة ويستبدل الثقافة الصينية الموروثة بثقافة الحزب، المصنوعة من "الكذب والقسوة والعنف". ما تمّ تدميره واستبداله هي الآثار الثقافية، المواقع التاريخية والكتب القديمة، والتي هي شواهد حيّة على الرؤية القديمة للأخلاق والحياة والعالم. كلّ نواحي الحياة نجدها هنا، بما في ذلك سلوك الناس، وتفكيرهم، وطريقة عيشهم. وفي خط مواز ٍ، نجد أنّ الح ش ص يعتبر التظاهرات الثقافية السطحية والتافهة "جوهرية"، وهو يرعاها ويضع هذا "الجوهر" في الواجهة للتمويه. إنه يُبقي على شبه تراثٍ في نفس الوقت الذي يستبدل فيه التراث الحقيقي بثقافة الحزب. ثمّ يخدع الناس والرأي العام العالمي مُتخفيًا وراء هذه الواجهة الكاذبة التي صنعها والتي يُسمّيها "تناقل وتطوير" الثقافة الصينية الموروثة.

1- تحطيم الديانات الثلاث في نفس الوقت

الثقافة الكلاسيكية متجذرة في الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية. فلتحطيم هذه الثقافة، بادر الح ش ص أوّلاً إلى تحطيم الكيان الذي فيه تتجلـّى هذه القوانين الإلهية، ألا وهو الدين، وذلك يعني اجتثاث الديانات الثلاث الموجودة والقضاء عليها.

تعرّضت الديانات الثلاث الكبرى، الكونفوشيوسية، والبوذية، والطاوية، لخطر التدمير في فترات تاريخية مختلفة. لنأخذ مثلاً البوذية، والتي تعرّضت في التاريخ إلى أربع محن ٍ كبرى تدعى :"الوو الثلاثة والتسونغ" (اضطهاد البوذيين على أيدي أربعة أباطرة صينيين). الامبراطور تايوو [28] من الأسرة المالكة واي التابعة للشمال (386 ـ 534 ق م) والامبراطور وو دزونغ من الأسرة المالكة التانغ (618 ـ 907 ق م) [29]، كلاهما حاول اقتلاع البوذية لإفساح المجال أمام الطاوية ؛ الامبراطور "وو" [30] من مملكة "جو" الشمالية (557 ـ 581 ق م) حاول القضاء نهائيّا على البوذية والطاوية معًا، وفي المقابل كان يقدّس الكونفوشيوسية ؛ الامبراطور شيجونغ [31] في نهاية فترة حكم الـ "جو" (951 ـ 960) حاول القضاء على البوذية فقط بهدف استعمال التماثيل لصكّ النقود، ولكنه لم يمسّ من الطاوية ولا الكونفوشيوسية.

الح ش ص هو النظام الوحيد الذي دمّر هذه الديانات الثلاث جميعها في آنٍ واحدٍ.

لم يمض وقت طويل على تأسّس حكومته، حتى كان الح ش ص قد بدأ في هدم المعابد، وفي حرق النصوص، وفي إرغام الرهبان والراهبات على الرجوع إلى الحياة الدنيوية. ولم يكن أرحم إزاء الأماكن الدينية الأخرى. في نهاية السنوات 1960، لم يعد هناك تقريبًا أماكن عبادة في الصين. إنّ الثورة الثقافية الكبرى ـ في حملتها "لتسقط الأشياء البالية الأربعة" [32] أي : الأفكار القديمة، الثقافة القديمة، التقاليد القديمة، والعادات القديمة ـ قد سبّبت أكبر الكوارث الدينية والثقافية.

مثلاً، أول معبد بوذي في الصين كان يُسمّى معبد الحصان الأبيض (معبد باي ما) [33]، كان قد بُني في بداية حكم سلالة الهان، خارج أسوار مدينة لوو يونغ. يحظى هذا المعبد بإجلال خاصّ نظرًا لكونه يُعتبر "مهد البوذية في الصين" و "بيت المُؤسّس". وطبعًا أثناء فترة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة"، لم يسلمْ معبد الحصان الأبيض هو أيضًا من النهب.

كانت هناك فرقة إنتاج مُكلـّفة بمعبد الحصان الأبيض بجانب المعبد. لقد دفع سكرتير دائرة الحزب القرويين إلى نهب المعبد باسم "الثورة". فدُمّرت تماثيل الطين التي يعود عهدها إلى أكثر من 1000 سنة، والمصنوعة في فترة حكم "اللياوو" والتي تمثل الأرهات الثمانية عشر، وأ ُحرقت مخطوطات بايي المقدسة، [34] وهي مخطوطات جلبها إلى الصين راهب هندي مشهور منذ 2000 سنة، وكـُسر حصان اليشب، وهو كنز نادر، وصار حطامًا. بعد مرور سنوات عديدة على وقوع ذلك، طلب الملك الكمبودي المنفي "نورودوم سيهانوك" الإذن لكي يذهب ويصلـّي في معبد الحصان الأبيض. فسارع جو آنلاي، الذي كان آنذاك الوزير الأول، بإحضار نصوص سوطرا بايي المحفوظة في القصر الامبراطوري ببيكين ـ سارع بإحضارها إلى لوو يونغ، وبإحضار تماثيل الأرهات الثمانية عشر المصنوعة في عهد مملكة التشينغ ونقلها من مكانها في معبد الغيوم اللاّزوردية (معبد بيي وون) الواقع في منتزه سيانغ شان [35] بضواحي بيكين. وهكذا، وبواسطة هذه عمليّة الغشّ هذه، تمّ تجنـّب مأزق ديبلوماسي. [36]

لقد بدأت الثورة الثقافية في مايو 1966. في الواقع، كانت "تـُدخل الثورة" على الثقافة الصينية بشكل مدمّر. إنّ حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة" تأجّج سعيرها بداية من أغسطس 1966، واكتسحت الصين بأكملها اكتساحًا مدمّرًا. صارت المعابد البوذية، والطاوية، وتماثيل بوذا، والمواقع التاريخية، والمخطوطات والرسوم والأشياء العتيقة، باعتبارها أشياء تنتمي إلى "الإقطاعية، والرأسمالية، والتعديلية"، صارت هي بالأساس من يستهدفها الحرس الأحمر بالتدمير والتخريب. [37] خذ كمثال على ذلك تماثيل بوذا : نعدّ 1000 تمثال من تماثيل بوذا ذات الألوان اللامعة والنقوش الناتئة على قمّة تلّ العمر المديد التابعة للقصر الصيفي [38] ببيكين. بعد حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة"، لحق الضرر بها كلها. ليس فيها تمثال واحد اليوم يملك أعضاءه الحسية الخمسة كاملة.

والأمور التي حدثت في العاصمة حدث مثلها في البلاد كلها. حتـّى المقاطعات النائية لم تسلمْ.

هناك معبد التيانتاي يقع في مقاطعة داي من إقليم شآنسي، تمّ بناؤه 1600 سنة إلى الوراء أثناء فترة تايي يان في عهد مملكة الواي بالشمال، وكان هذا المعبد يضمّ تماثيل ورسومًا جدارية قيّمة كثيرًا. ورغم أنه كان يقع على منحدر تلّ بعيد عن مقـرّ المقاطعة، إلاّ أنّ الناس المشاركين في حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة" لم تثنهم الصعوبات على الطريق المؤدّي للمعبد، وبدّدوا تلك التماثيل وتلك الرسوم الجدارية. هناك أيضًا معبد لوغوان [39] حيث درّس لاوو تسي وحيث ترك الطاوو تي كينغ الشهير منذ 2500 سنة، يقع في مقاطعة جوجي من إقليم شآنسي. حول المكان الذي كان لاوو تسي يدرّس فيه، في محيط 10 لي، [40] نجد أكثر من 50 موقعًا تاريخيا، بما في ذلك معبد الحكيم (جونغشانغ غونغ) والذي شيده تانغ غاوو دزو لي يوان [41] تقديرًا وإجلالاً للاوو تسي، وذلك منذ 1300 سنة. معبد لوغوان ذاك، والمواقع التاريخية الأخرى وقع تدميرها، وكلّ الرهبان الطاويين اضطرّوا للرحيل. حسب ما جرت به العادة في الطاوية، إذا أصبح أحدهم راهبًا طاويّا، عليه ألاّ يحلق لحيته بعد ذلك ولا يقصّ شعره. ولكنهم أجبروا الرهبان الطاويين على قصّ شعورهم، وعلى خلع ثوبهم الطاوي، وعلى أن يصبحوا أفرادًا من عامة الشعب. [42] البعض منهم تزوجوا أخوات القرويين في ذلك المكان وأصبحوا أصهارهم. في الأماكن الطاوية المقدّسة على جبل لاووشان في إقليم شاندونغ، معبد السلام الأعظم، معبد الضياء الساطع، معبد النور الأعظم، معبد دومو، دير هوايان، معبد نينغجان، معبد غوان يو "تماثيل المراكب القربانية والإلهية، مخطوطات السوطرا البوذية، الآثار الثقافية، وألواح المعابد، كلها وقع نهبها وحرقها. معبد الأدبيات في مقاطعة جيلين هو أحد المعابد الأربعة المشهورة لكونفوشيوس في الصين. أثناء حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة"، لحقت به أضرار جسيمة." [43]

2- أسلوب خاص في القضاء على الدين

كان لينين يقول :"أسهل طريقة لحصار قلعة هو أخذها من الداخل". بصفته سليل الماركسية-اللينينية، فإنّ الح ش ص يعي هذا جيّدًا.

في سوطرا الـ "ماهايانا ماهابارانيرفانا"، [44] تنبّأ البوذا ساكياموني بأنه بعد بلوغه النيرفانا، سوف ينزل الشياطين متجسدين في صورة رهبان وراهبات، وبوذيين لاييكيين، رجالاً ونساءًا، لكي يُفسدوا الشرع (الدهارما). طبعًا لا يمكننا أن نعرف تمامًا ما عناه البوذا ساكياموني بالضبط في كلامه ذاك، ولكن الح ش ص شرع فعلاً في تخريب البوذية عبر تكوين "جبهة موحّدة" برفقة بعض البوذيين. بل وحتـّى أنهم أرسلوا سرّا أعضاء من الحزب لكي يندسّوا مباشرة داخل المؤسسة الدينية وينخروها من الداخل. أثناء حصة مخصصة للنقد العام في عهد الثورة الثقافية، سأل أحدهم جاوو بوشو، نائب رئيس جمعية البوذيين الصينيين :"أنت عضو في الحزب الشيوعي، لماذا تعتقد في البوذية ؟"

لقد بلغ البوذا ساكياموني اليقظة الكاملة والعظمى عبر "زهد، تأمل، حكمة". إذ ًا فقبل أن يبلغ النيرفانا، أوصى طلاّبه بأن "يحافظوا على التعاليم ويحترموها". "لا تتركوها، لا تخرقوها". كما حذر قائلاً :"الناس الذين يخالفون التعاليم منبوذون من جميع السماوات، والتنينات، والأشباح، والأرباب. صيتهم السيّء يمتدّ إلى كلّ مكان...وعندما تنتهي حياتهم، مآلهم الجحيم يسدّدون فيه الكارما التي سجلوها، ونهايتهم محتومة. عندما يخرجون، يستمرّون في العذاب إذ يتجسدون في أشباح أو حيوانات جائعة. وهكذا يظلون في دورة عذاب لا تنتهي وبلا راحة." [45]

الرهبان البوذيون السياسيون لم يشاؤوا الإصغاء إلى تحذيرات بوذا. في 1952، أرسل الح ش ص ممثلين عنه لحضور افتتاح جمعية البوذيين الصينيين. أثناء الاجتماع، بوذيون كثيرون من الجمعية اقترحوا إلغاء التعاليم البوذية، وادّعوْا أنّ هذه التعاليم قد سببت موت عدد كبير من الرجال الشبان والنساء الشابات. البعض كانوا يدعون إلى أنّ "الناس أحرار في اعتناق الديانة التي يشاؤون، أيّا كانت ؛ وأنّ الرهبان والراهبات يجب أن يكونوا أحرار في أن يتزوجوا إن أرادوا، وأن يشربوا الخمر ويأكلوا اللحم. ينبغي ألاّ يتدخل أحد في ذلك." في ذلك الوقت كان الشيخ سويون حاضرًا في الاجتماع، وعاين أنّ البوذية كانت مهدّدة بخطر الانقراض من الصين. فبادر بالتصدّي إلى هذه الاقتراحات، وطلب المحافظة على التعاليم البوذية وعلى اللباس البوذي. فوقع التشهير بالشيخ سويون وباتهامه بكونه "ضدّ-الثورة" وحُبس في حجرة رئيس الرهبان حيث حُرم من الطعام والشراب. ولم يتركوه يغادر الحجرة حتى للذهاب إلى دورة المياه. وأمروه بتسليم ذهبه، وماله، وماله من أسلحة، وعندما أجاب سويون أنه لا يملك هذه الأشياء، ضربوه بعنف، ووقع له كسر في الجمجمة، ونزف رأسه وكـُسرت أضلاعه. آنذاك كان سويون يبلغ من العمر 122 من العمر. ورمته الشرطة أرضًا في حين أنه كان يرقد على سرير. عندما رجعوا في الغد، وجدوه على قيد الحياة بعدُ، فاستمرّوا في ضربه بعنفٍ.

جمعية البوذيين الصينيين التي تأسست عام 1952، والجمعية الطاوية الصينية التي تأسست عام 1957، أعلنتا بوضوح في بيانهما التأسيسي أنهما "تحت راية حكومة الشعب"، في الواقع كانتا تحت سيطرة ومراقبة الحزب، الذي هو حزب مُلحد. هاتان الجمعيتان أشارتا إلى أنهما ستـُسهمان بصفة فعّالة في صناعة وفي بناء وفي تطبيق السياسات الحكومية. لقد أصبحتا منظمتيْن دنيويّـتيْن تمامًا. بينما البوذيون والطاويون الذين كانوا مخلصين للتعاليم لـُقـّبوا بـ "أعداء الثورة"، وبـ "عناصر طائفية من طائفات الخرافة والجماعات السرية". تحت الشعار الثوري القائل بـ "تطهير عقول البوذيين والطاويين"، حُبسوا، وحُكم عليهم بالأشغال الشاقة، بل وحتـّى أعدِموا. الديانات القادمة من الغرب مثل المسيحية والكاثوليكية لم تسلمْ هي أيضًا.

وفق إحصائيات مأخوذة من كتاب "كيف يضطهد الحزب الشيوعي الصيني المسيحيين"، المنشور سنة 1958، حتـّى الوثائق القليلة التي وُضعت في متناول العموم تكشف أنه من بين الكهنة الذين اتـّهـِموا بكونهم "أصحاب أملاك" أو "طغاة محليين"، 8.840 قـُتـِلوا، و39.200 أرسـِلوا إلى مخيّمات الأشغال الشاقة. ومن بين الكهنة الذين اتـّهـِموا بكونهم أعداء الثورة 2.450 قـُتـِلوا و24.800 أرسـِلوا إلى مخيّمات الأشغال الشاقة. [46]

الأديان هي وسيلة يبتعد بواسطتها الإنسان عن العالم الدنيوي ويتعهد نفسه بالتربية الروحية. الأديان تتحدث عن "الضفة الأخرى" (ضفة اليقظة النهائية) و"الجنّة". ساكياموني كان أميرًا هنديّا. لبلوغ الموكتي [47]، وهي حالة يمكن للمرء فيها أن يبلغ طمأنينة النفس والحكمة واليقظة النهائية والنيرفانا [48]، تخلـّى عن عرشه وذهب إلى الجبل والغابة للعبادة، مجتازًا محنـًا وشدائد. قبل أن يبلغ يسوع اليقظة، حمله الشيطان على قمّة جبل، وأراه كل ممالك الأرض وبهاءها ومباهجها. وقال الشيطان :"إن رضخت وعبدتني، سأعطيك كل هذه الأشياء". ولكن يسوع لم ينغو. بينما الرهبان والقساوس السياسيون الذين شكـّلوا جبهات موحّدة مع الح ش ص أعدّوا خدعًا وكذبوا عندما تحدثوا عن "بوذية العالم الدنيوي"، وعندما قالوا :"الدين هو الحق، والاشتراكية أيضًا"، و"ليس هناك تناقض بين هذه الجهة والجهة الأخرى". لقد شجعوا البوذيين والطاويين على السعي وراء السعادة، والمجد، والأبهة، والثروة، والمركز الاجتماعي، وعلى تغيير التعاليم الدينية ومدلولها.

البوذية تحرّم القتل ؛ والح ش ص قتل الناس كالذباب أثناء "قمع أعداء الثورة" [49]. ووجد الرهبان السياسيون ذريعة ً، وقالوا :"قتل أعداء الثورة إنما هو دليل على رحمة أكبر". أثناء "حرب صدّ هجوم الولايات المتحدة ومساعدة كوريا" (1950- 1953) [50]، تمّ إرسال الرهبان إلى الصفوف الأمامية ليقاتلوا.

لنأخذ المسيحية كمثال. في 1950، كوّن وو ياوتسونغ [51] كنيسة تسمّى "الاستقلاليات الثلاث" تتـّبع مبادئ التسيير الذاتي، واستقلالية الموارد والدعاية الذاتية. كان يدّعي أنه سيتخلص من الامبريالية وأنهم سيلتحقون فعلاً بصفوف الحرب ضدّ الولايات المتحدة في كوريا. أحد أصدقاءه سُجن لمدّة تفوق العشرين سنة لأنه رفض الخضوع لـ "الاستقلاليات الثلاث". هذا الصديق تعرّض لشتى أنواع التعذيب والإهانة. وقد سأل هذا الصديق وو ياوتسونغ مرّة :"ما رأيك في معجزات عيسى ؟" فأجاب وو :"أنا أنكر وجودها."

إنكار معجزات عيسى يعني إنكار جنّة عيسى ومملكته السماوية. كيف يمكن أن يسمّي الشخص نفسه مسيحيّا إذا كان لا يؤمن حتـّى بوجود السماء التي صعد إليها عيسى ؟ ورغم ذلك، باعتباره مؤسّس كنيسة "الاستقلاليات الثلاث"، أصبح وو ياوتسونغ عضوًا في اللجنة الدائمة للندوة الاستشارية السياسية. عندما ذهب إلى قاعة الشعب الكبرى [52]، حدث أن نسي تمامًا عبارات عيسى :"أحبّ الربّ إلهك بكل مجامع قلبك وروحك وعقلك. هذه أوّل وصية وأعظم وصية". (التوراة المقدسة، ماثيو22 : 37 ـ 38) "أعطوا للقيصر ما للقيصر وللربّ ما للربّ" (التوراة المقدسة، ماثيو22 : 21).

لقد "صادر [الح ش ص] ممتلكات المعابد، وأجبر الرهبان والراهبات على دراسة الماركسية ـ اللينينية ليغسل أدمغتهم ؛ وأجبرهم حتـّى على القيام بالأشغال الشاقة. مثلاً، كانت هناك "ورشة بوذية" بنيتغهه، في مقاطعة جيدجيانغ، أكثر من 25.000 راهب وراهبة وُضعوا فيها قيد العمل الإجباري. والأمر العديم المعنى أكثر هو أنّ الح ش ص أجبر الرهبان والراهبات على الزواج لكي يقضي على البوذية. مثال آخر ـ في سنة 1951، قبيل حلول 8 مارس، وهو اليوم العالمي للمرأة، أصدرت الجمعية النسائية بشانغشا في مقاطعة هونان أمرًا لراهبات تلك المقاطعة بأن يتزوجن في ظرف أيام قليلة. وبالإضافة إلى ذلك تمّ إجبار الرهبان الشبان الأقوياء على الالتحاق بالجيش وأرسلوهم إلى ساحات القتال ليكونوا طعامًا للمدافع [53].

مختلف الجماعات الدينية في الصين تفكـّكت وتلاشت تحت القمع الوحشي للح ش ص. النخبة الحقيقية سواءً في البوذية أو الطاوية، كلاهما اضطـُهدت. من بين أولئك الذين بقوْا، كثير هم الذين عادوا إلى الحياة الدنيوية، وآخرون كثيرون كانوا في الحقيقة أعضاء من الحزب الشيوعي قد تخصّصوا في التنكـّر تحت العباءة (الكازايا) [54]، أو الثوب الطاوي أو ثوب القسّيس ليشوّهوا النصوص البوذية والتعاليم الطاوية والتوراة ويبحثوا داخل هذه التعاليم عن ذرائع ومبرّرات للحملات السياسية للح ش ص.

3- تخريب الآثار الثقافية

تدمير المواقع الثقافية هو قسط هامّ من العمل التخريبي الذي مارسه الح ش ص على الثقافة والتراث. أثناء حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة"، كثير من الكتب والمخطوطات والرسوم الأصلية والفريدة والتي جمعها مثقفون التهمتها ألسنة اللهب أو حُوّلت إلى عجين ورق. كان جانغ بوجون [55] يملك مجموعة عائلية تحتوي على 10.000 كتابًا. قوّاد الحرس الأحمر أشعلوها وتدفـّوْا عليها. وما بقي أرسِل إلى طواحين الورق ليُصنع منه عجين ورق.

"يُعرف الخطاط والرسام الكبير هونغ كيوشانغ باسم "سيّد المعجزات" فيما يخصّ المخطوطات والرسوم القديمة. لقد جمع عددًا لا يُحصى من الإبداعات الفنية، مثل رسم مشهد طبيعي للامبراطور سونغ خويدزونغ [56]، رسم عود من القصب لسو دونغبو [57]، ورسوم وانغ جانغمينغ [58] وتانغ بوهو [59]. طيلة عدة عشريّات، مئات المخطوطات والرسوم التي أنقذها، معظمها أصبحت مجموعة وطنية من الصنف الأول. المخطوطات والرسوم التي جمعها [هونغ كيوشانغ] بجهد وعناء، اعتـُبـِر أنها تنتمي لـ "الأشياء البالية الأربعة" وأ ُحرقت. بعد ذلك، قال السيد هونغ وهو يبكي :"أكثر من 100 جين [60] (50 كيلوغرام) من المخطوطات والرسوم ؛ لقد استغرقت وقتـًا لكي تحترق !" [61]

"أشياء هذا العالم تمضي وتأتي،

قديمة، حديثة، تمضي وتأتي،

الأنهار والجبال لها مجد دائم،

نستطيع دائمًا أن نراها من هذا الطريق..." [62]

إن كان الصينيون اليوم يتذكرون بعض الأجزاء من تاريخهم، فربما لن يُحسوا بنفس الشيء عندما يقرأون هذه القصيدة لمانغ هاووران. المواقع التاريخية في الجبل وعلى ضفاف النهر الشهير قد دُمّرت، واختفت في خضمّ حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة". لا فقط دمّروا "جناح خُصى الذئب (نوع من النباتات)"، حيث كتب وانغ سيجي [63] مقدّمته الشهيرة :"مقدّمة لمجموعة القصائد المنظومة في جناح خصى الذئب" [64]، بل قبر وانغ سيجي نفسه وقع نبشُه. المسكن القديم ليُوو شانآن [65] في مقاطعة جيانغسو دُمّر هو أيضًا، كما وقع اجتياح مبنى وو دجينغتسي [66] في مقاطعة آنهوي، اللوحة الحجرية التي كان مكتوبًا عليها "جناح الرجل العجوز الثمل" [67] والتي كتبها سو دونغو كـُتِب عليها بدلاً من ذلك "الشباب الثوريون" [68] والحروف المحفورة أصلاً في الحجر مُحـِيَتْ.

إنّ جوهر الثقافة الصينية قد تمّ تناقله وتجمّع منذ آلاف السنين. وإذ دُمّر، لا يمكن إعادته للحياة من جديد. ولكن الح ش ص، وباسم "الثورة"، بدّده بوحشية، ودون أسفٍ ولا حياءٍ. عندما كنّا ننتحب قبالة القصر الصيفي القديم، المعروف باسم "قصر القصور"، والذي أحرقته قوات الحلفاء البريطانية- الفرنسية، و نأسفُ على موسوعة يونغل [69]، ذلك العمل العظيم الذي دمّرته نيران حروب الغزاة، كيف كان يمكن أن نتصوّر أنّ الدمار الذي سيسبّبه الح ش ص سيكون أكثر شمولاً وأكثر قسوة ً وأكثر عمقـًا ممّا خلـّفه أيّ غاز من الغزاة ؟

4- تدمير المعتقدات الروحية

لم يكتف الح ش ص بتدمير أشكال الدين والثقافة، بل استعمل أيضًا كلّ ما بوسعه لكي يقضي على الهويّة الروحية للناس، والتي قوامها العقيدة والثقافة.

ولنأخذ كمثال الطريقة التي عامل بها الح ش ص معتقدات الجماعات العرقية. كان الح ش ص يعتبر عادات جماعة المسلمين "خوي" أنها تنتمي للـ "أشياء البالية الأربعة" ـ تفكير قديم، ثقافة قديمة، عادات قديمة، وتقاليد قديمة. فكان منه أن أكره جماعة خوي على أكل لحم الخنزير ـ كان على الفلاّحين المسلمين والمساجد أن يربّوا الخنزير وكلّ أسرة كان عليها أن تهدي خنزيرين في السنة للدولة. أثناء حادثة قاسية جدّا، أجبر الحرس الأحمر البوذا التيبتي الحي الثاني في الترتيب، البانشان لاما، على أكل فضلات بشرية (غائط)، كما أجبروا ثلاثة رهبان من المعبد البوذي بهاربين في مقاطعة هايلونغجيانغ على أن يمسكوا بلافتة كـُتب عليها "لتذهب السوطرا إلى الجحيم، ليست سوى كوم قاذورات".

في 1971، هرب لين بياو [70]، نائب رئيس اللجنة المركزية للح ش ص، من الصين، ولكنه قـُتل عندما تحطمت طائرته في أوندورخان بمنغوليا. إثر هذه الحادثة، تمّ العثور في مسكن ماوو جياوان في لين ببيكين على أقوال ومأثورات لكونفوشيوس. فأطلق الح ش ص حملة عنيفة لـ "انتقاد لين بياو". هناك كاتب ينتحل اسم ليانغ سياوو [71] قد نشر في "الراية الحمراء" ـ المجلة الناطقة باسم الح ش ص ـ مقالاً تحت عنوان "من هو كونفوشيوس ؟"، كان المقال يصف كونفوشيوس على أنه مجنون يريد الرجوع إلى الوراء، ديماغوجي، فاسد ومحتال. ثم تلت ذلك مجموعة من الرسوم المصوّرة والأغاني التي تطعن في كونفوشيوس.

هكذا إذ ًا كيف تمّ القضاء على هيبة الثقافة وقداسة الدين.

5- تدمير بلا حدود   

في الصين القديمة، كانت سلطة الحكومة المركزية تمتدّ إلى حدود المقاطعات، وتحت ذلك المستوى كانت العشائر تتمتع بتسيير ذاتي وسيادة ذاتية. وهكذا في تاريخ الصين، ظواهر مثل حرق الكتب ودفن العلماء الكونفوشيوسيين على يد الامبراطور تشين شي هوانغ [72] في مملكة تشين (207 ـ 221) والحملات الأربع للقضاء على البوذية ما بين القرن الخامس والقرن العاشر على يد "الوو الثلاثة والتسونغ"، كلها ظواهر قد سـُلـّطت من فوق ولم تقدر على اجتثاث الثقافة. وبقي التراث الكلاسيكي والأفكار البوذية والكونفوشيوسية حيّة في دوائر واسعة من المجتمع. بينما حملة "لتسقط الأشياء البالية الأربعة" والتي قادها شباب من الطلبة بتحريض من الح ش ص، كانت حركة وطنية وشعبية يقودها "حماس تلقائي". إنّ انتشار الح ش ص وامتداده في كلّ قرية عبر لجان للحزب على مستوى القرى، قد أحكم الخناق على المجتمع إلى درجة أنّ الحركة "الثورية" انتشرت وامتدّت إلى كلّ أوقية أرض في الصين، ولحق أثرها بكلّ شخص هناك، ولم يحُلْ شيء دون انتشارها ذاك.

لم يحاول أيّ امبراطور في التاريخ أن يجتثّ من نفوس الناس ما يعتبرونه أجمل شيءٍ وأقدس شيءٍ، مستعملاً العنف وحملة مُهينة مثلما فعل ذلك الح ش ص. إنّ القضاء على العقيدة يستطيع أن يدوم أكثر ويسبّب كوارث أكثر من التدمير المادّي فحسب.

6- إصلاح المثقفين

الحروف الصينية تجسّد خلاصة الـ 5000 سنة من الحضارة. إنّ شكل وطريقة نطق كلّ حرف، والتعابير والإيحاءات الأدبية الناشئة عن اجتماعها، تنطوي كلها على دلالات ثقافية عميقة. لا فقط بسّط الح ش ص الحروف الصينية، بل حاول أيضًا أن يعوّضها بـ "بينيين" على شكل أبجدية، من شأنه أن يُفرغ الحروف الصينية واللغة الصينية من كلّ إرث ثقافي. غير أنّ خطة التعويض هذه باءت بالفشل ـ من حسن حظ اللغة الصينية. ولكن المثقفين الصينيين الذين يتقاسمون نفس الإرث لم يُسعفهم الحظ للهروب من الدمار.

قبل 1949، كانت الصين تعدّ تقريبًا مليونيْ مثقف. ورغم أنّ الكثير منهم قد درس في الغرب، إلاّ أنّ هذا لا يمنع أنهم ورثوا بعض الأفكار الكونفوشيوسية. لم يشأ الح ش ص الكفّ عن مراقبة المثقفين، لأنهم بصفتهم عناصر من الطبقة التقليدية للـ "الارستقراطية المثقفة"، فإنّ طريقة تفكيرهم كانت تلعب دورًا مهمّا في تكييف عقول الناس.

في سبتمبر 1951، أطلق الح ش ص "حركة إصلاح الأفكار" على نطاق واسع، وقد بدأ حملته وسط المدرّسين الجامعيين، مدرّسي المعاهد، والمدارس الابتدائية، وطلبة الجامعات" لكي يسردوا سيرتهم الذاتية سردًا وفيّا وبكلّ نزاهة، وذلك لينظف نفوسهم وأرواحهم من كلّ العناصر المعادية للثورة. [73]

لم يُحبّ ماوو تسي تونغ أبدًا المثقفين. لقد قال يومًا :"المثقفون يجب أن يعوا حقيقة، وهي أنّ الكثير من المثقفين المزعومين هم، نسبيّا، جاهلون تمامًا، بينما العملة والفلاّحون يعرفون أحيانـًا أكثر منهم." [74] "مقارنة مع العملة والفلاّحين، فإنّ المثقفين الذين لم يقع إصلاحهم ليسوا نظيفين، وفي النهاية العملة والفلاّحون هم الأنظف، رغم أنّ أيديهم متسخة وأقدامهم قد علق بها روث البقر." [75]

بدأ اضطهاد الح ش ص للمثقفين بمختلف أشكال الاتهامات، بداية من انتقاد وو سون [76] في 1951 لكونه "سيّر المدارس معتمدًا على مال ٍ تسوّله"، وصولاً إلى تهجّم ماوو تسي تونغ تهجّمًا شخصيّا على الأديب هو فانغ [77] المُتهم بكونه مُعادٍ للثورة. في البداية، لم يكن المثقفون يُلقبون بـ "رجعيين"، ولكن انطلاقـًا من 1957، وبعد أن استسلم عدد كبير من المجموعات الدينية الكبيرة نتيجة لحركة "الجبهة الموحّدة"، تمكـّن الح ش ص من تركيز طاقته وصبّ اهتمامه على المثقفين. وهكذا أ ُطلقت حركة "ضدّ اليمينيين".

مع نهاية فبراير 1957، زعم الح ش ص أنه سيترك "مائة زهرة تتفتـّحْ ومائة مدرسة فكرية تتجابهْ" ودعى المثقفين إلى الإدلاء باقتراحاتهم وانتقاداتهم للحزب، واعدًا إياهم بأنه لن ينتقم. فظنّ المثقفون الذين كانوا منذ فترة طويلة مستائين من الحزب بسبب طريقة تسييره لكلّ شيءٍ في كلّ ميدان، حتـّى لو لم يكن يفهمُ شيئـًا في ذلك الميدان، وبسبب تقتيله للناس الأبرياء أثناء حركتيْ "قمع أعداء الثورة" ما بين 1950 و 1953، و "تصفية أعداء الثورة" ما بين 1955 و 1957 ـ ظنوا أنّ الح ش ص قد أصبح أخيرًا منفتحًا ومتسامحًا. فشرعوا في التعبير عن مشاعرهم الحقيقية واحتدّت لهجة انتقاداتهم شيئـًا فشيئـًا.

حتى بعد سنين كثيرة، ظلّ الكثير من الناس يعتقدون أنّ ماوو تسي تونغ لم يبدأ في مهاجمة المثقفين إلاّ عندما نفد صبره من انتقاداتهم اللاذعة شيئـًا فشيئـًا. في الحقيقة الأمر غير ذلك.

في 15 مايو 1957، نشر ماوو تسي تونغ مقالاً بعنوان "الأمور بدأت تتغيّر" ووزّعه على أعضاء الح ش ص القدماء. فيما يلي بعض ما ورد في المقال :"في الآونة الأخيرة، بدا اليمينيون [...] أكثر عزمًا وأكثر عنفـًا [...]، إنّ اليمينيين ـ والذين هم أعداء للشيوعية، يحاولون بيأس أن يوقظوا إعصارًا بقوّة في الصين [...] ويريدون القضاء على الحزب الشيوعي تمامًا." [78] وإثر ذلك، الموظفون الذين لم يولوا أهمّية لحملة "ترك مائة زهرة تتفتـّحْ ومائة مدرسة فكرية تتجابهْ" أصبحوا فجأة ً متحمّسين و"جادّين". ابنة جانغ بوجون تحدثت عن ذلك في مذكراتها "الماضي لا يتلاشى مثل الدخان" :

"لي وايهان، وزير قسم الشغل في الجبهة الموحّدة، اتصل بجانغ بوجون شخصيّا يدعوه إلى لقاء إصلاحيّ ليعطي رأيه في الح ش ص. أجلسوا جانغ على أريكة في الصفّ الأول. جانغ لم يكن يعلم أنه شـِرك، وعبّر عن انتقاداته. طوال اللقاء، كان لي وايهان يبدو مرتاحًا. ربّما فكـّر جانغ أنّ لي كان يؤيّد أقواله. لم يكن يعلم أنّ لي كان مسرورًا برؤية الفريسة تقع في المصيدة". بعد الاجتماع لـُقـّب جانغ باليمينيّ رقم واحد في الصين".

بوسعنا أن نستعرض بداية من سنة 1957 قائمة من التواريخ التي قدّم فيها المثقفون اقتراحات أو خطابات باسطين فيها انتقاداتهم ووجهات نظرهم : في 21 مايو "معهد التصميم السياسي" لجانغ بوجون؛ في 22 مايو "آراء معادية للسوفيات : آراء عديمة المعنى" للونغ يون؛ في 22 مايو أيضًا "لجنة التقويم" للو لونغجي؛ في 31 مايو "ينبغي أن يكفّ الحزب عن تسيير الفنون" لوو تسوغوانغ، وفي غرّة يونيو "الحزب يسيطر على العالم" لشو آنبينغ. كلّ هذه الاقتراحات والخطابات تمّت الدعوة إليها وتقديمها بعد أن كان الجزار ماوو تسي تونغ قد بدأ في شحذ سكـّينه بعدُ.

ومثلما كان مُتوقـّعًا، كلّ هؤلاء المثقفين لـُقـّبوا فيما بعدُ بيمينيّين. كان هناك أكثر من 550.000 يمينيّا في كامل البلاد.

إنّ التقاليد الصينية تنصّ على أنّ العلماء "يتمّ قتلهم ولكن ليس إذلالهم". ولكنّ الح ش ص نجح في إلحاق أكبر وأشدّ الإذلال بالمثقفين إذ حرمهم من حقّ الحياة إلاّ إذا قبلوا الذلّ. وحتـّى عائلاتهم لم تسلم من ذلك. عديد المثقفين استسلموا وعديدٌ منهم وشوْا بمثقفين آخرين لكي ينجوا بحياتهم. أولئك الذين لم يرضخوا للإذلال قـُتِلوا ـ وكانوا عبرة ً لإرهاب غيرهم من المثقفين.

وهكذا تفكـّكت تلك الطبقة التقليدية، "طبقة العلماء"، والذين هم أسوة في الفضيلة في المجتمع.

لقد قال ماوو تسي تونغ : "ما تباهى الامبراطور تشين شي هوانغ بفعله هو لا شيء. إنه لم يقتل سوى 460 عالمًا كونفوشيوسيّا، أمّا نحن فقد قتلنا 46.000 مثقفـًا. بقمعنا لأعداء الثورة، ألم نقتل كذلك أعداء الثورة من المثقفين ؟ لقد دافعت عن نفسي أمام أنصار الديموقراطية الذين كانوا يتهموننا بالتصرّف مثل الامبراطور تشين شي هوانغ، وقلت لهم أنهم كانوا مُخطئين. لقد تجاوزنا الامبراطور تشين شي هوانغ بمائة مرّةٍ." [79]

بالفعل، لقد فعل ماوو تسي تونغ فعلاً أشدّ من قتل المثقفين، لقد دمّر أرواحهم وقلوبهم.

7- خلق ظاهر ثقافة مع الحفاظ على شبه تراث وتعويض محتواه

بعدما تبنـّى الح ش ص الإصلاح الاقتصادي وسياسة انفتاح ٍ، قام بتجديد عديد الكنائس والمعابد البوذية والطاوية. كما نظم الكثير من الحفلات في المعابد بالصين وحفلاتٍ ثقافية خارج حدود البلاد. وكان هذا هو المجهود الأخير الذي بذله الح ش ص لكي يستغلّ البقية الباقية من الثقافة الموروثة ويحطمها. كان وراء تصرّف الح ش ص هذا دافعان : من جهةٍ الطيبة الموجودة أصلاً في الطبيعة البشرية والتي لم يستطع الح ش ص أن يجتثـّها - كانت ربّما ستؤدّي إلى القضاء على "ثقافة الحزب". ومن جهةٍ أخرى، كان لدى الح ش ص النيّة أن يستعمل الثقافة الأصيلة كقناع ٍ برّاق ٍ يتستـّر وراءه ويُخفي طبيعته الشرّيرة الفاسدة المكوّنة من الخداع والقسوة والعنف".

إنّ جوهر الثقافة يكمن في مدلولها الأخلاقي العميق، بينما الأشكال السطحية لا تصلح سوى للتسلية. لقد جدّد الح ش ص بناء العناصر السطحية للثقافة، العناصر المسلــّية، لكي يُخفي غايته المتمثلة في تدمير الأخلاقيات. لا يهمّ كم نظم الح ش ص من معارض فنية، ومعارض في فنّ الخط، وكم قدّم من مهرجانات ثقافية مع تنينات ومع رقصة الأسود، وكم نظم من مهرجانات خاصّة بفنّ الطبخ، وكم شيّد من أعمال معمارية كلاسيكية، مع كلّ هذا لم يُجدّد الح ش ص سوى المظهر الخارجي للثقافة، لا جوهرها. أثناء الوقت نفسه، قام الحزب بدعاية لمقالاته الثقافية داخل الصين وخارجها، بغاية الحفاظ على سلطته السياسية.

فلنأخذ مرّة ًأخرى مثال المعابد. المعابد هي أماكن يتعهّد فيها الناس أنفسهم بالتربية الروحية. داخل المعبد، بوسعنا أن نسمع الأجراس في الصباح وقرع الطبول مع مغيب الشمس، بوسعنا أن نقوم بشعائر العبادة تجاه بوذا على ضوء مصابيح الزيت. والناس يمكنهم أن يذهبوا هناك ويعترفوا بذنوبهم ويُصغوا إلى القداس الدينية. لكي يتعهّد الإنسان نفسه بالعبادة، يجب أن يكون لديه قلب نقيّ وخالٍ من التعلـّقات. للاعتراف بالذنوب وتقديس البوذا، يجب أن يكون هناك أيضًا محيط فيه خشوع وهيبة. ولكنّ هذه المعابد حُوّلت إلى أماكن سياحية تدرّ المال. من بين الناس الذين يزورون المعابد في الصين اليوم، كم من بينهم يأتون ليتفكـّروا في خطاياهم بقلب صادق وطافح بالتقديس لبوذا بعد أن يكونوا أخذوا حمّامًا وغيّروا ثيابهم ؟ تجديد المظهر الخارجي للثقافة الموروثة وفي نفس الوقت القضاء على دلالتها العميقة، كانت تلك هي الاستراتيجية التي تبنـّاها الح ش ص لكي يُدخل الاضطراب على نفوس الناس. وهكذا، سواءًا كانت البوذية أو الأديان الأخرى أو الأنماط الثقافية المشتقـّة منها، فإنّ الح ش ص يُفسدها وينحط ّ بها عمدًا.

ΙΙΙ. ثقافة الحزب

في نفس الوقت الذي كان فيه الح ش ص يُحطم الثقافة نصف الإلهية الموروثة، كان أيضًا يضع، وببرود دم ٍ أسس ثقافته هو – "ثقافة الحزب" – وذلك عبر سلسلة من الحركات السياسية المتعاقبة. لقد غيّرت ثقافة الحزب جيل الكهول، وسمّمت جيل الشباب، وكان لها تأثير حتـّى على الأطفال. لقد كان تأثيرها شاملاً وعميقـًا للغاية. وحتـّى أثناء عديد المحاولات لكشف هذه الكارثة المتمثلة في الح ش ص، لا أحد استطاع أن يمتنع عن تبنـّي تقييم الح ش ص للأشياء، ومقياسه في التمييز بين الحق والباطل، وتحليل الح ش ص للأمور، وقاموس الألفاظ الذي وضعه ـ كلّ هذه الأشياء التي تحمل طابع الح ش ص.

لا فقط ورثت ثقافة الحزب الشرّ الموجود في الثقافة الماركسية ـ اللينينية التي وُلدت في الخارج، ولكنها أيضًا جمعت بمهارة كلّ العناصر الخبيثة الموجودة في الثقافة الصينية منذ آلاف السنين إلى جانب الثورة العنيفة وفلسفة الصراع التي ترجّح لها دعاية الح ش ص، هذه العناصر السيئة تشمل الصراع الداخلي بين أفراد الأسرة الملكية على السلطة، تكوين زُمَر وعُصَبٍ لخدمة مصالح ومآرب ذاتية، اللجوء للخدعة السياسية لتعذيب الناس، الاستراتيجيات غير النزيهة، والدسيسة. أثناء العشريّات الماضية، صارع الح ش ص من أجل البقاء، وأثناء هذا الصراع تنامت خصوصيّاته البارزة (الخداع، القسوة، العنف) وتغذت وتمّ نقلها وتوارثها.

إنّ الاستبداد والديكتاتورية هما طبيعة ثقافة الحزب. هذه الثقافة تخدم الحزب في صراعاته السياسية وصراعاته الطبقية. بوسعنا أن نفهم كيف أنّ ذلك يكوّن البيئة "البشرية" للحزب المكوّنة من الرعب والاستبداد، وذلك من أربع جوانب :

1- جانب السيطرة والتحكـّم

أ) ثقافة عزل

إنّ ثقافة الحزب الشيوعي هي كيان احتكاريّ معزول دون حرّية فكر، ولا حرّية تعبير، ولا حرّية تجمّع، ولا حرّية عقيدة. إنّ آليّة السيطرة عند الحزب شبيهة بنظام هيدرولي يعتمد على الضغط القوي وعلى العزل، لكي يحافظ على حالة السيطرة. هنا حتـّى ثقبٌ صغيرٌ يمكن أن يسبّب انهيار كامل النظام. مثلاً رفض الحزب الحوار مع الطلبة أثناء الحركة الطلابية في 4 يونيو [80]، خوفـًا منه أنه إن تواصل هذا التسرّب، فإنّ كلاّ من العمّال، والفلاّحين، والمثقفين، والجيش، سيطالب بالحوار هو أيضًا. وبالتالي تكون الصين بذلك قد اتـّجهت أخيرًا إلى الديموقراطية، وتكون ديكتاتورية الحزب الواحد قد هُزمت. إذ ًا فقد فضّل أن يرتكب جرائم على يستجيب لرغبة الطلبة. اليوم يستعمل الح ش ص عشرات الآلاف من "شرطة الانترنت" لكي يراقب الانترنت ويغلق مباشرة كلّ مواقع الواب الأجنبية التي لا يحبها.

ب) ثقافة رعب

أثناء الـ 55 سنة الماضية، استعمل الح ش ص الرّعب لكي يقمع فكر الشعب الصيني. لقد لوّحوا بسياطهم وأشهروا سكاكينهم ـ سكاكين الجزّار ـ، كان الناس لا يعلمون أبدًا متى يمكن أن تحلّ عليهم المصائب والرزايا من حيث لا يدرون ـ ليرغموا الشعب على الإذعان لسيطرتهم. وأصبح الشعب المُقيم في الخوف مُطيعًا. أنصار الديموقراطية، والمفكـّرون الأحرار المستقلـّون، والمشكـّكون في نظام الح ش ص، وأفراد مختلف الجماعات الروحية، أصبحوا كلهم هدفـًا للتـقتيل، بحيث يتنبّه الشعب ويكون دائمًا على أهبة ومتيقظـًا. يريد الحزب أن يقتل كلّ معارضة قبل أن تولد.

ج) ثقافة شبكات السيطرة

إنّ سيطرة الح ش ص على الشعب هي سيطرة شاملة. يوجد هناك دفتر لتعيين المحلاّت والبيوت، ونظام لجان متساكني الأحياء، ومختلف مستويات لجان الحزب. "إنّ دوائر الحزب موجودة حتـّى على مستوى المؤسّسات"، "كلّ قرية تتبع دائرة معيّنة من دوائر الحزب". الحزب وأعضاء رابطة الشبيبة الشيوعية لديهم أنشطة منتظمة. إلى جانب ذلك، يدعو الحزب إلى مجموعة شعاراتٍ منها :"احرس باب بيتك وراقب شعبك" ؛ "امنع شعبك من المطالبة ورفع الدعوى" ؛ "ضع بكلّ قوّة نظامًا لفرض أشغال، واضمن القيام بهذه الأشغال، ووزّع المسؤوليات. راقب وسيطر بصرامة. كن جدّيًا فيما يخصّ الانضباط والقوانين، واتـّخذ تدابير سيطرة ووقاية وصيانة 24س/24س" ؛ "المكتب 610 [81] سيشكـّل لجنة مراقبة تتفقــّدُ وتراقبُ أنشطة وحدات الشغل في كلّ منطقة وذلك على فترات غير منتظمة".   

د) ثقافة تجريم

تجاهل الح ش ص تمامًا المبادئ التشريعية للمجتمعات العصرية، ودعا بكلّ ما أوتي من جهد إلى سياسة توريط وإشراك. لقد استعمل حكمه المطلق ليعاقب أهالي وأقارب من وصمهم بـ "مالكي أراضي"، و"أثرياء"، و"رجعيّين"، و"عناصر سيّئة" و"يمينيّين". واقترح نظرية "أصل الطبقات". [82]

"اليوم، سيفرض الح ش ص المسؤولية على المسيّرين وصولاً إلى أسفل درجة من السلـّم وسيوبّخهم علنـًا إن هم فشلوا في دورهم المتمثل في اتـّخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ممارسي الفالون غونغ من الذهاب إلى بيكين وبثّ البلبلة هناك.  بالنسبة للحالات الأكثر خطورة، يتمّ تسليط عقوبات عليهم". "عندما يمارس أحد الأشخاص فالون غونغ، فإنّ كلّ فردٍ من أفراد أسرته يقع طرده من العمل". "عندما يمارس أحد العاملين أو الموظفين فالون غونغ، فإنّ بقية العاملين أو الموظفين في مؤسّسة عمله يُحرمون من المنحة". أعلن الح ش ص أيضًا عن سياسة تمييز حيال أبناء أولئك الذين "يمكن أن يتمّ تغييرهم وأدلجتهم"، وأولئك المنتمين إلى "الطبقات السوداء الخمس" (أصحاب الأراضي، الفلاّحون الأثرياء، الرجعيّون، العناصر السيّئة، واليمينيّون). ما يضعه الحزب في طليعة أولويّاته هو الامتثال للحزب و"الاستقامة قبل الإخلاص للأسرة". أنظمة مثل نظام أرشيف الأعوان والأرشيف البنيويّ، مثله مثل إعادة التعيين المؤقــّت، كلها قد وُضعت لضمان تفعيل سياسته. يتمّ تشجيع الشعب على اتهام بعضه البعض وعلى الوشاية بالآخرين، وتتمّ مكافأته على مساهماته في خدمة الحزب.

2- مظاهر الدعاية

أ) ثقافة الرأي الواحد

أثناء الثورة الثقافية، كانت الصين ملأى بشعارات مثل "التعليمات العليا"، "جملة من جُمل ماوو تزن مقدار 10.000 جملة، كلّ منها حقيقة". واضطرّت كلّ وسائل الإعلام لإنشاد محاسن الحزب وللوقوف معًا جميعًا لمناصرته وتأييده. وعندما يقتضي الأمر كان مسيّرو كلّ مستوىً من مستويات الحزب، أو الحكومة، أو الجيش، أو العمّال، أو رابطة الشباب، أو المنظمات النسائية، كان على كلّ منها أن تعبّر عن تأييدها ومناصرتها. 

ب) ثقافة نشر العنف

قال ماوو تسي تونغ :"مع 800 مائة مليون بشر، كيف يمكن أن تسير الأمور دون صراع ؟" أثناء اضطهاد الفالون غونغ، قال جيانغ زمين :"من يضرب ممارس فالون غونغ إلى حدّ الموت، لا يُعاقــَبُ". كان الح ش ص يدعو إلى "الحرب الكلــّية"، وإلى "القنبلة الذريّة ليست نمرًا من ورق [...] حتـّى وإن مات نصف الشعب فإنّ النصف الآخر كفيل بإعادة بناء بلدنا".

ج) ثقافة تحريض على الكراهية

 "لا تنسَ عذاب الطبقات الفقيرة وتذكـّر جيّدًا وسط الدموع ووسط الدم". أصبحت هذه العبارة سياسة قوميّة أساسيّة. كانت القسوة تجاه الأعداء الطبقيين تـُعتـَبرُ فضيلة. وعلــّم الح ش ص الناس ما يلي :"عضّ على كراهيّتك، وامضغها وابتلعها. واغرس هذه الكراهيّة في قلبك لتورق وتـُثمر". [83]

د) ثقافة خداع وكذب

فيما يلي بعض الأمثلة عن أكاذيب الح ش ص :"الإنتاج في المو [84] الواحد يفوق عشرة آلاف دجين" أثناء "القفزة الكبرى نحو الأمام" في 1958. "لم يُقتل أيّ شخص على ساحة تيانانمن" في مجزرة 4 حزيران 1989. "نحن نسيطر على فيروس السراس" في 2003. "نشهد حاليّا أفضل فترة فيما يخصّ حقوق الإنسان في الصين". و"نظريّة التمثيلات الثلاث". [85]

هـ) ثقافة غسل دماغيّ

فيما يلي بعض الشعارات التي صنعها الح ش ص ليغسل دماغ شعبه :"لم تكن لتكون صينٌ جديدة ٌ لولا الحزب الشيوعي". "ذخيرة قلوبنا في نضالنا من أجل أهدافنا السامية هو  الح ش ص، والأساس النظري الذي يقود تفكيرنا هو الماركسية-اللينينية". [86] "اصطفـّوا في صفّ اللجنة المركزية للحزب". "نفـّذوا أوامر الحزب إذا فهمتموها. إذا لم تفهموها، نفـّذوها أيضًا، سيتعمّق فهمكم أثناء التنفيذ".

و) ثقافة تملـّق

"السماء والأرض واسعتان ولكنّ رحمة الح ش ص أوسع منهما" ؛ "نحن مدينون للحزب بكلّ نجاحاتنا" ؛ "الحزب بمثابة أمّي" ؛ "حياتي فِدًى للجنة المركزية للحزب" ؛ "حزب عظيم، مجيد ومستقيم" ؛ "حزبٌ لا يُقهَرُ" ؛الخ

ز) ثقافة ادّعاءٍ

لقد وضع الحزب صيغـًا وموديلاتٍ، ووضع نماذج الواحد تلو الآخر، وأطلق مفهوم "التطوّر الاشتراكي،  والايديولوجي، والأخلاقي" وحملات "تربية ايديولوجية". وفي النهاية واصل الشعب بكلّ حملةٍ من هذه الحملات على ذاك المنوال، أي تمامًا بنفس الشكل الذي أقيمت به في الماضي. كلّ المحاضرات العامّة، والدورات التعليمية، ودورات تبادل التجارب، كلـّها أصبحت "واجهة جادّة"، بينما استمرّ المقياس الأخلاقي للمجتمع يتقهقر خطواتٍ هائلة إلى الوراء.

3- جانب العلاقات بين الأفراد

أ) ثقافة غيرة

لقد دعا الحزب إلى "المساواة المطلقة" لكي "يصبح كلّ شخص يتفوّق على البقيّة هدفـًا للهجوم". يغارُ الناس ممّن يفوقونهم موهبة أو ثروة،...الخ، كان ذلك ما سُمّي بـ "مرض العيون الحمراء". [87]

ب) ثقافة سحق للآخر

شجّع الح ش ص على "المصارعة وجهًا لوجهٍ والوشاية ظهرًا لظهرٍ". يشي الشخص بشركاءه، ويكتب رسائل لثلبهم، يُلفـّق وقائع ويهوّل أخطاءهم- كلّ هذه التصرّفات المنحرفة استـُعمِلت كمقياس يُحدّد مدى القرب من روح الحزب والرغبة التقدّمية.

4- الآثار الخفيّة على نفسيّة الناس وتصرّفاتهم

أ) ثقافة تحوّل البشر إلى آلاتٍ

يريد الحزب من الناس أن يكونوا "البراغيّ التي لا تصدأ أبدًا في المكنة الثورية"، وأن يكونوا "الأداة المنصوبة من أجل الحزب" وأن "يهاجموا نحو أيّ اتـّجاهٍ يوجّهنا إليه الحزب". "جنود الرئيس ماوو هم أولئك الذين يُصغون إلى الحزب أكثر من غيرهم، هم يذهبون إلى حيث تقتضي مهمّاتهم ويُقيمون حيث توجد الصعوبات".

ب)ثقافة تخلط بين الخير والشرّ

أثناء الثورة الثقافية، كان الح ش ص يُؤثر أن "يجني الأعشاب الطفيلية للاشتراكيين" على أن "يجني حصاد الرأسماليين". كان الجيش مأمورًا أن يهاجم ويقتل في مجزرة الرابع من يونيو "نظير 20 سنة من الاستقرار". الح ش ص أيضًا "لا يفعل بالآخرين ما لا يُريدُ أن يُفعَلَ به". 

ج) ثقافة غسل دماغيّ مفروض وطاعة عمياء

"الصّفوف الدنيا تـُطيع أوامر الصّفوف الأعلى منها وكلّ الحزب يُطيع اللجنة المركزية للحزب". "صارعوا بلا هوادة للقضاء على كلّ الأفكار الأنانية التي تخامر أذهانكم". "فجّروا ثورة في أعماق روحكم". "اصطفـّوا إلى أبعد حدّ ممكن مع موقف اللجنة المركزية للحزب". "بدون الحزب الشيوعي ستكون الصين هباءًا". "وحّدوا العقول، وحّدوا الخطوات، وحّدوا الأوامر، ووحّدوا التعليمات".

د) ثقافة تضع الفرد في وضعيّة الخادم

"بدون الحزب الشيوعي، ستكون الصين هباءًا". "الصين شاسعة كثيرًا، من ذا الذي يستطيع أن يحكمها غير الح ش ص ؟". "لو تنهار الصين، فستكون تلك كارثة عالميّة، لذا علينا أن نساعد الح ش ص على الحفاظ على سلطته". بدافع الخوف ودافع الاحتماء، كانت الجماعات التي يضطهدها الح ش ص دومًا أشدّ يساريّة وأشدّ راديكاليّة من الح ش ص نفسه.

هناك عديد الأمثلة المشابهة. بوسع كلّ قارئ ٍ ربّما أن يجد في تجربته الشخصيّة عناصر عديدة من ثقافة الحزب.

الناس الذين عاشوا الثورة الثقافية يستطيعون أن يتذكـّروا بوضوح ٍ شديدٍ الأوبرا العصريّة في تلك الفترة، والأغاني التي تتكوّن نصوصها من كلمات ماوو، ورقصة الوفاء. الكثيرون يتذكـّرون أيضًا حواراتٍ دارت في الأوبرا النموذجيّة لبيكين مثل "الفتاة ذات الشعر الأبيض" [88] و"حرب في النفق" [89]، و"حرب المناجم" [90]. من خلال هذه الأشكال الفنية، أخضع الح ش ص الناس إلى غسل دماغيّ  وحشا أذهانهم بمعاني مثل :"الحزب متألـّق وعظيم" ؛ "ناضل الحزب ضدّ العدوّ نضالاً صعبًا وشرسًا" ؛ وكيف أنّ "جنود الحزب مُكـَرّسون تمامًا لخدمة الحزب"، وكيف أنهم مستعدّون للتضحية بحياتهم من أجل الحزب، وكم أنّ الأعداء أغبياء وأشرار. ويومًا بعد يومٍ، حقنت مَكـَنة الدّعاية هذه في كلّ فردٍ قسرًا العقائد اللاّزمة لبقاء الحزب الشيوعي في السلطة. لو ذهبنا اليوم لنشاهد الرقصة الغنائيّة : القصيدة الملحميّة – الشرق أحمر، لوجدنا أنّ كلّ موضوع العرض ونمطه يدور حول : القتل، ثمّ القتل، ثمّ القتل.

في خط ّ مواز ٍ، خلق الح ش ص معجم ألفاظ خاصّ به وخطاباتٍ خاصّة به، من لغة الشتيمة والسّباب  المُستعملة في حملات النقد العامّة، وعبارات المديح والإطراء لإنشاد محاسن الحزب، وصولاً إلى البروتوكولات الرسمية التافهة مثل "مقال الجزء الثامن". [91] وبدأ الناس- بدون أن يشعروا- يتكلـّمون تحت تأثير أفكار تنضوي على مفاهيم صراع الطبقات ومدح الحزب. أبدِل التفكير الرصين والمنطقي بخطاب هيمنة. كما سرق الح ش ص أيضًا المُعجم الديني وشوّه محتواه.

يُقال : "الرياء لا يبعُدُ كثيرًا عن الحقيقة". استغلـّت ثقافة الحزب كذلك الأخلاقيّات الأصيلة مشوّهة ً إيّاها. مثلاً، الأخلاقيّات الأصيلة تـُثمّن "الإيمان"؛ والحزب الشيوعي يُثمّن ذلك أيضًا حاثـّا الناس على "الوفاء والنزاهة تجاه الحزب". الأخلاق الأصيلة تـُشدّد على البرّ بالوالدين؛ والح ش ص يضع الناس في السجن إن لم يعتنوا بآبائهم، ولكنّ الدافع الحقيقي وراء ذلك هو أنّ هؤلاء الآباء كانوا سيصبحون عبئـًا على الحكومة. وأحيانـًا يطلب الحزب من الأبناء أن ينفصلوا عن آبائهم، عندما يناسبه ذلك. الثقافة الأصيلة تركـّز أيضًا على "الولاء". رغم ذلك، "الشعب يشغـَل المكانة الرئيسية والأهمّ، ثمّ تأتي الأمّة، وأخيرًا يأتي الحاكم في مرتبة أقلّ". ولكنّ "الولاء" الذي يريده الح ش ص هو "ولاء أعمى"- أعمى إلى درجة أنه يجب على الناس أن يعتقدوا في الح ش ص بطريقة عمياء، وأن يُطيعوه دون طرح أسئلة.

العبارات التي يستعملها الح ش ص بكثرة هي عبارات مزيّفة تمامًا. مثلاً، سمّى الحرب الأهليّة بين الكوومينتانغ والشيوعيّين "حرب التحرير"، كما لو أنّ الناس حُرّروا بفعلها من القمع. وسمّى الح ش ص فترة ما بعد 1949 "ما بعد تأسيس الأمّة" في حين أنّ الصين موجودة قبل ذلك بكثير وأنّ الح ش ص لم يفعل سوى أن أقام نظامًا سياسيّا جديدًا. المجاعة الكبرى التي دامت ثلاث سنوات [92] سُمّيت "السنوات الثلاث للكوارث الطبيعية"، في حين أنّ هذه الكارثة قد سبّبها البشر كلـّيًا. مع سماع هذه الكلمات المستعملة في الحياة اليومية ومع التأثر بها تأثـّرًا خفيّا، صار الناس يقبلونها لا شعوريّا، كما يقبلون المفاهيم الايديولوجية التي تحتوي عليها، مثلما يتمنـّى الح ش ص.

في الثقافة التقليدية، تـُعتـَبَر الموسيقى وسيلة لترويض الرغبات البشرية. في الجزء 24 من "المذكرات التاريخية" (شي دجي)، قال سيما تشيان (145- 85 ق م) [93] أنّ الطبيعة البشرية مسالمة وأنّ مشاعرنا تخضع لتأثير عوامل خارجية، فإن انبثقت مشاعر الكراهيّة والحبّ دون أن يقع التحكم فيها، ستكون عرضة للإغواء المستمرّ من طرف الإغراءات الخارجية، وسنرتكب أعمالاً سيّئة. إذ ًا، كما كان سيما تشيان يقول، الأباطرة في الماضي كانوا يستعملون الطقوس والموسيقى لكبح جماح الناس. الأغاني كانت يجب أن تكون مرحة دون أن تكون خليعة، وشجيّة دون أن تكون مُحزنة كثيرًا. كان عليها أن تعبّر عن مشاعر وعن رغبات، ولكن أن تكون لها رقابة على هذه المشاعر. لقد قال كونفوشيوس في "المختارات" :"الأبيات الثلاثمائة للـ "قصائد الغنائية" (أحد الكتب الكلاسيكية الستة التي جمعها وأصدرها كونفوشيوس) يُمكن أن تتلخص في جملة واحدة :"لا تفكـّر بالسّوء"".

ولكنّ الموسيقى، هذا الشيء الجميل والرائع، تمّ استعمالها من طرف الح ش ص كأداةٍ لغسل الدماغ. نجد أغان ٍ مثل "الاشتراكية رائعة"، و"لم لتكون هناك صين جديدة لولا الحزب الشيوعي"، وأغان ٍ أخرى كثيرة، تـُغنـّى ابتداءًا من رياض الأطفال وصولاً إلى الجامعة. ومع إنشادهم المتواصل لهذه الأغاني، استبطن الناس تدريجيّا معنى الكلمات. وبالإضافة إلى ذلك، سرق الح ش ص ألحان الأغاني الفولكلورية الأكثر شعبيّة، وعوّضها بنصوص تمدّح الحزب. وقد ساعد هذا على تدمير الثقافة التقليدية ورفع مكانة الحزب.

أحد الوثائق الكلاسيكية للح ش ص، وهو "خطاب ماوو في ملتقى حول الأدب والفنون بيانآن" [94] يعتبر أنّ الثقافة والجيش هما "جبهتا المعارك". وصرّح أنّ القوّة العسكرية وحدها لا تكفي، وأنه يجب أن يكون هناك أيضًا "مُعسكر من الفنون الأدبية". وأضاف أنّ "الفنون الأدبية يجب أن تخدم السياسة" وأنّ "الفنون الأدبية لطبقة البروليتاريا هي أدوات المكنة الثورية ومساميرها". صار "الإلحاد" و"صراع الطبقات" هما النواة الصلبة لـ "ثقافة الحزب"، وهو ما يقف على طرف النقيض تمامًا من الثقافة الموروثة.

لقد قدّمت ثقافة الحزب حقـّا خدمة نفيسة بمساعدتها للح ش ص الحصول على السلطة والسيطرة على المجتمع. الجيش، والسجون، وقوات الشرطة، وثقافة الحزب، كلـّها تنتمي إلى نفس الأداة السياسية العنيفة، رغم أنّ "العنف الثقافي" مختلف عن الأشكال الأخرى للعنف في هذا النظام. هذا العنف الثقافي، بتدميره لـ 5000 سنة من الثقافة القومية، قد قزّم إرادة الشعب، وأضرّ بتماسك ولـُحمة القومية الصينية.

اليوم، كثير من الصينيين لم تعد لديهم سوى معرفة سطحيّة ومحدودة عن الثقافة التقليدية. بعضهم يضع في نفس المرتبة الـ 50 سنة من "ثقافة الحزب" والـ 5000 سنة من الثقافة العريقة. إنه حقـّا لشيء مُحزن للشعب الصيني. الكثير لا يفقهون أنه بوقوفهم ضدّ الثقافة العريقة المزعومة فإنهم في الحقيقة يقفون ضدّ "ثقافة الحزب" الخاصّة بالح ش ص لا ضدّ الثقافة العريقة الحقيقية للصين.

كثير من الناس يتمنـّوْن إبدال النظام الصيني الحاليّ بالنظام الديموقراطي الغربي. في الحقيقة، لقد تأسّست الديموقراطية الغربية هي أيضًا على قاعدة ثقافية، وهي المسيحية؛ وهي تعتقد أنّ "كلّ الناس سواسية أمام الله" وهي تحترم الطبيعة البشرية والخيارات البشرية. كيف لثقافة الحزب المستبدّة واللاّ-إنسانية أن تصلـُح قاعدة لنظام ديموقراطي على النمط الغربي ؟

خاتمة

لقد بدأت الصين تحيدُ عن ثقافتها القومية في فترة حكم سلالة السونغ (960- 1279)، ومنذ ذلك الحين، لم تفتأ الثقافة تتدهور. إثر حركة 4 مايو 1919،[95] بعض المثقفين الذين كانوا ينشدون نجاحًا سريعًا ونفعًا فوريّا حاولوا أن يجدوا حلاّ للصين، وكان هذا الحلّ هو أن يُديروا ظهورهم للثقافة القومية، ويتبنـّوْا الحضارة الغربية. ومع ذلك، بقيت الصراعات والتغييرات في الميدان الثقافي موضوع نقاش أكاديمي لا غير، ولم تهتمّ به الدولة. ولكن عندما ظهر الح ش ص، رفع الصراعات الثقافية إلى مستوى قتال مُستميتٍ من أجل الحزب. لذلك فقد بدأ الحزب في مهاجمة الثقافة الموروثة مباشرة، مستعملاً طرقـًا هدّامة بصفة مباشرة ووسائل أخرى أشدّ خبثـًا تتمثل في "الاحتفاظ بالشوائب ورمي الجوهر".

هدم الثقافة القومية كان أيضًا مسار وضع "ثقافة الحزب". لقد أفسد الح ش ص الضمير الإنساني والمقياس الأخلاقي، مؤدّيًا بالناس إلى الانقلاب على الثقافة الموروثة، إن دُمّرت الثقافة القومية تمامًا، فإنّ جوهر الأمّة سيتلاشى مع تلاشيها، تاركـًا من الأمّة لا شيء سوى اسم ٍ فارغ ٍ. وهذا التحذير غير مُبالغ فيه.

وفي نفس الوقت، الخسائر التي تكبّدها المجتمع الصيني جرّاء تدمير الثقافة الموروثة هي مأساويّة فعلاً.

كانت الثقافة الموروثة تـُثمّن الوحدة ما بين الآلهة والبشر، والتعايش السلمي والانسجام ما بين الإنسان والطبيعة. بينما الح ش ص أعلن أنّ "الصراع بين السماء والأرض يُورث سعادة لا تـُحَدّ". ثقافة الح ش ص هذه قد تسبّبت مباشرة في تدهور خطير للبيئة والمحيط، وهذا التدهور يمثل اليوم مشكلة كبرى للصين. ولنأخذ الماء كمثال. لقد ترك الشعب الصيني الحكمة القائلة "الإنسان النبيل يُقدّر نعمة الثراء، ولكنه يُثري بطريقة معقولة" ونسيها، لذلك فقد خرّب محيطه الطبيعي ولوّثه بدون سببٍ. حاليّا، أكثر من 75% من الـ 50.000 كيلومتر التي تمثل الأنهار في الصين غير صالحة لكي تعيش فيها الأسماك ؛ أكثر من ثلث المياه الجوفية قد تلوّث أثناء العشر سنين الأخيرة الماضية، والوضعية آخذة في التدهور أكثر. لقد حدث "مشهد" غريب من نوعه في نهر هوايهه : كان هناك طفل يلعب في الماء المُشبع بالبترول، وفجأة ً أحدث شرارة ً، وما أن لمست الشرارة سطح الماء حتى أشعلت لهيبًا يبلغ علوّ خمسة أمتار ؛ وعندما انطلقت النار في الهواء، أحرقت عشر صفصافاتٍ كانت تحيط بالنهر، جميعها احترقت وأصبحت فحمًا. [96] من السهل أن نفهم أنه من المستحيل ألاّ يُصاب أولئك الذين يشربون من الماء بالسرطان أو أمراض أخرى. مشاكل بيئيّة أخرى، مثل التصحّر وترسيب الملح في الشمال الغربي للصين، والتلوّث الصناعي في المناطق المتطوّرة، هي كلها مرتبطة بعدم احترام المجتمع البشري للطبيعة.

إنّ الثقافة الموروثة تحترم الحياة. يُعلن الح ش ص أنّ "الثورة لها مُبرّراتها" وأنّ "الصراع ضدّ البشر يملؤنا لذة ً". باسم الثورة، استطاع الحزب أن يقتل عشرات ملايين الأشخاص وأن يجعلهم يموتون من المجاعة. وقد قاد ذلك الناس إلى عدم حبّ الحياة، وهو ما أسهم بدوره في تكاثر البضائع والمنتوجات الفاسدة والمُسمّمة في السوق. مثلاً، في مدينة فويانغ من مقاطعة آنهوي، كثير من الرضّع الذين هم أصحّاء في الأصل أصبحت أطرافهم مُقزّمة، ووهنت أبدانهم وكبُرت رؤوسهم بينما كان يتمّ إرضاعهم بقارورة الرضاع. ومات ثمانية أطفال رضّع جرّاء هذا المرض الغريب. وبعد البحث تبيّن أنّ ذلك المرض كان ناتجًا عن بودرة الحليب المسمومة التي كان ينتجها صاحب مصنع جشع ٍ وعديم الضمير. بعض الأشخاص يُغذون السرطانات والثعابين والسلاحف بالهرمونات والمضادّات الحيوية، ويضيفون الكحول الصناعي للخمر، ويعالجون الأرزّ بزيوت صناعيّة، ويُبيّضون الخبز بموادّ مُعَدّة للتبييض. طيلة ثماني سنين، قام مُصنّع من مقاطعة هينان باستعمال زيت مُرسكل، وزيت غير مُكـَرّر، ومنتوجات مُسبّبة للسرطان أخرى لينتج كلّ شهر آلاف الأطنان من "زيت الطبخ" المُسمّم. إنتاج الغذاء المُسمّم ليس بظاهرة محلـّية أومحدودة، بل إنّ هذا أمر شائع في كلّ الصين. إنّ تدمير الثقافة والانحطاط الأخلاقي قد أسهما في هذا الجري المجنون وراء الأرباح السهلة.

على عكس ثقافة الحزب التي تتصف بالهيمنة المطلقة والحصريّة، فإنّ الثقافة الموروثة تتمتـّع بقدرة كبيرة على الاندماج. أثناء فترة مملكة التانغ المزدهرة، كانت التعاليم البوذية، والديانة المسيحية، وديانات أخرى غربية، إلى جانب الطاوية والكونفوشيوسية، تتعايش جميعًا بسلام. ماكانت الثقافة التقليدية الصينية لتتـّخذ غير موقف متفتـّح إزاء الحضارة الغربية والثقافة الغربية. النمور الآسيوية الأربعة (سنغافورة، تايوان، كوريا الجنوبية، وهونغ كونغ) قد صنعت هويّة ثقافية كونفوشيوسية جديدة، بفضل جمعها بين الأخلاق الكونفوشيوسية والعقلانية الاقتصادية الحديثة. والاقتصاد المزدهر لهذه البلدان قد أثبت أنّ الثقافة الموروثة ليست عائقـًا أمام العلم والتقدّم.

وفي نفس الوقت، تقيس الثقافة الموروثة الحقيقية جودة الحياة البشرية على أساس ما حققته من سعادة داخلية، لا فقط على أساس ما حققته من رفاهة مادّية. "أفضل ألاّ يقدح  في شأني أحد وراء ظهري على أن يمدحني أحدهم في وجهي، أفضل أن أنعم براحة النفس والضمير على أن أنعم بالرفاه المادّي". [97] كان تاوو يوانمينغ (365-427) [98] فقير الحال ولكنه كان دائمًا سعيدًا وكانت لديه تسلية مفضلة :"جمع زهور النجميّات تحت البوّابة الشرقية، وتأمّل جبل الجنوب وهو منتصب في الأفق".

الثقافة الموروثة لا تقدّم أجوبة لمسائل الإنتاجية الصناعية أو خيار النظام الاجتماعي. دورها الهامّ يتمثل بالأحرى في الإرشاد الأخلاقي. إنّ إعادة  بناء الثقافة الأصيلة  بحقّ سوف يُعيد إلى الناس التواضع أمام السماء، والأرض، والطبيعة، واحترام الحياة واحترام الإله. وسوف يُخوّل للبشرية أن تحيا بانسجام ٍ وتآلفٍ مع السماء والأرض، وأن تتمتـّع بعمر مديد منـّة ً من السماء.

 

ملاحظات :

1- في الميثولوجيا الصينية : بانغو هو أوّل كائن حيّ، وهو خالق كلّ شيءٍ.

2- في الميثولوجيا الصينية : نووا هي الآلهة الأمّ التي خلقت البشرية.

3- "شانّونغ" (حرفيّا : الفلاّح السماويّ) هو شخصيّة أسطورية وبطل في الثقافة والميثولوجيا الصينية، يُعتـَقَدُ أنه عاش قرابة 5000 سنة وعلـّم الشعوب القديمة الأعمال الفلاحية. ويُعرَفُ عنه أيضًا كونه قام بتعريف مئات الأعشاب الطبية والسامّة ومختلف النباتات من هذا الصنف، وكان هذا أمرًا أساسيّا لتطوير الطبّ التقليديّ الصينيّ.

4-  سان جي أو سانغ جي هو شخصيّة أسطورية في الصين القديمة، يدّعي أنه المؤرّخ الرسميّ للامبراطور الأصفر، ومُخترع الحروف الصينية. وقد سُمّيت طريقة سانجي على اسمه- وهي طريقة لإدخال الحروف الصينية في الإعلامية.

5- تاوو تي كينغ، أو داوو دي كينغ : أحد أهمّ النصوص الطاوية، كتبه لاوو تسي.

6- Remarque d’ouverture de la grande étude de Confucius.

7- مذكـّرات تاريخية (شي دجي)، تـُتـَرجَمُ أيضًا إلى "عروض الخطاط الأكبر"، لمؤلــّفها سيميا تشيان (145- 85 ق م) الذي كان أوّل مؤرّخ صينيّ كبير. وهو يوثــّق في هذا المؤلـّف تاريخ الصين والبلاد المجاورة منذ الماضي البعيد وصولاً إلى عصره هو.  مُخطط الأعمال التأريخيّة لسيميا تشيان كان فريدًا وقد صار نموذجًا للصيغة الرسمية للتأريخ للأسرات الحاكمة الامبراطورية مدّة الـ 2000 سنة التي تلتْ.

8- مأخوذ من "المختارات" لكونفوشيوس.

9- نفس الشيء.         

10-  نفس الشيء.

11-  كتب كونفوشيوس في "الدراسة الكبرى" :"بما أنّ شخصيّاتهم كانت مثقّفة فإنّ عائلاتهم كانت منظمة ؛ وبما أنّ عائلاتهم كانت منظمة، فإنّ دولتهم كانت محكومة بالعدل، وكلّ المملكة كانت تضحي آمنة وسعيدة".

12-  دونغ جونغشو (179- 104 ق م) هو مفكـّر كونفوشيوسيّ أثناء حكم مملكة الهان، ذكر في مؤلـّفه ثلاث طرق لضمان الانسجام بين الإنسان والسماء. (تيان ران سان تشه)، "إن بقيت السماء، فإنّ الطاوو لن يتغيّر".

13-  القرد المسافر أو سفر الغرب أو الحجّ إلى بلاد الغرب،  من تأليف وو تشانغ آن ( 1506- 1582)، إحدى الروايات الصينية الكلاسيكية الأكثر شهرةً. وهي نابعة من قصّة حقيقية لراهب صيني مشهور في مملكة التانغ، هويان تسانغ (602- 664)، سافر مشيًا على القدمين إلى حيث تقع بلاد الهند حاليّا، مهد البوذية، باحثـًا عن السوطرا. في الرواية نرى كيف أنّ مشيئة البوذا ساقت الملك القرد، بيغسي وساندي، إلى أن يصبحا مُريديْ هويانغ تسانغ ويرافقاه إلى الغرب للعثور على السوطرا. سيجتازون 81 خطرًا وبلوى قبل أن يصلوا في النهاية إلى الغرب ويحصلوا على الثمرة الحقيقية. (القرد المسافر أو السفر إلى الغرب، طبعة بايو، 17 مارس 2004، مجموعة المكتبة الصغيرة، إي س ب ن 2228896802).

14- حلمٌ في الجناح الأحمر، كتبه تساو سويه- تشين (1715- 1763) أثناء حكم مملكة التشينغ. إنها قصّة حبّ مأساوية على خلفيّة انهيار عائلة ارستقراطية. إلى جانب الموضوع الرئيسي تصف الرواية للقارئ أيضًا المشهد التاريخي والاجتماعي في ذلك الوقت، كما تستعرض قائمة مُدهشة ومأثورة من الشخصيّات، الشخصيّتان الرئيسيتان فيها هما : دجيا باويو ولين دايو. بنية هذه الرواية- التي هي بنية متـّسعة ودقيقة التشابك في آن ٍ واحدٍ، وجودتها الأدبية، ولغتها العذبة جعلت منها تـُعتبر عالميّا خلاصة فنّ الرواية الكلاسيكية الصينية. (حلمٌ في الجناح الأحمر، طبعة غاليمار، 12 نوفمبر 1981، مجموعة مكتبة البلاياد، إ ي س ب ن 2070110192).

15- على ضفاف الماء، إحدى كبرى الروايات الكلاسيكية الصينية، كتبها في القرن الرابع عشر شيناي- هان. وهي تروي كيف أنّ 108 رجلاً وامرأةً قرّروا أن يكوّنوا معًا مجموعةً مارقةً عن القانون- وسمّوْا أنفسهم : لصوص المستنقعات. رواية حافلة بالعقد، والمغامرات، والقتل، والحرب، والقصص الرومنطيقية، كلـّها مرويّة بأسلوب مليء بالمفاجآت والتشويق، وهو الأسلوب المميّز للحكايات الشعبية. (على ضفاف الماء، طبعة غاليمار، 2 مايو 1997، مجموعة فوليو، إ ي س ب ن 2070402207).

16- الممالك الثلاث، إحدى أشهر الروايات الكلاسيكية الصينية، من تأليف كوان- تشونغ لوو (1330؟- 1400؟). هذه الرواية تستند إلى تاريخ فترة الممالك الثلاث (220- 22-280). وهي تروي الصراعات المتشعّبة والحادّة بين ثلاث قوىً سياسية مختلفة، من أجل العرش. هذه القوى السياسية تتمثل في ليو باي، تساو تساو، وسون تشوان. وفي خلال ذلك تبرز الرواية عديد المقدرات والمواهب ومختلف الاستراتيجيات الجريئة في تلك الفترة.

17- تاريخ قوم "جو" الشرقيين، رواية كتبها في الأصل يو شاوويو أثناء حكم مملكة المينغ، ثمّ راجعها مانغلونغ وأعاد صياغتها في فترة نهاية مملكة المينغ، ثمّ قام تساي يوانفانغ بمراجعتها من جديدٍ في مملكة التشينغ. أحداث هذه الرواية تمتدّ على مدى أكثر من 500 سنة أثناء فترة الربيع والخريف (770- 476 ق م) وفترة الممالك المحاربة (475- 221 ق م).

18- تسيان تساي هو من كتب قصّة يوفاي بأكملها، وذلك في فترة مملكة التشينغ. يصوّر الكاتب حياة يوفاي (1103- 1142) وهو أصيل سلالة السونغ بالجنوب. يوفاي هو أحد أشهر القوّاد والأبطال المخلصين لأمّتهم في تاريخ الصين. سطع نجم الجنرال يوفاي خصوصًا في المعارك ضدّ غزاة الشمال وقوم دجين. ثمّ اتـّهـِم يوفاي بجريمة لم يرتكبها وأرسِل بسبب ذلك إلى السجن وقتِل ؛ بينما كان رئيس الوزراء تشين هوي يحاول القضاء على الشقّ المحارب. فيما بعد وقعت تبرئة يوفاي من تلك الاتهامات الباطلة، وأقيمَ له معبد وفاءًا لذكراه. فيما بعدُ صُنعت أربع شخصيّاتٍ خصّيصًا لقبر يوفاي : أربعة رجالٍ، كلّ منهم يرتدي خوذة ً حديدية ً، عاري الصدر، يداه مقيّدتان وراء ظهره، وجاثٍ على ركبتيْه أمام قبر يوفاي ؛ أربعتهم يمثـّلون الأشخاص المسؤولين عن موت يوفاي. وأصبح يوفاي في الثقافة الصينية رمزًا ومثالاً للولاء في بلده.

19- مقولة مأخوذة من مُختصر مجموع المخطوطات الطاوية (داوو تسانغ  دجي ياو).

20- انظر (8) 

21- مأخوذ من خطاب ماووتسي تونغ أثناء الدورة التامّة الثامنة للجنة العاشرة للح ش ص.

22- الكلمات الأصلية لماوو باللغة الصينية هي في الواقع تلاعب بالألفاظ  :"أنا مثل راهب ممسك بممطريّة، لا طاوو (أو شرع......"شعر") ولا سماء (أو جنّة.....).

23- دجيه هو اسم آخر ملوك مملكة الـ "سيا" (ح 21- 16 ق م)، و جو هو اسم آخر ملوك مملكة الـ"شانغ" (ح 16- 11 ق م). وقد كان كلاهما طاغية، وبقيت ذكرى طغيانهما في الأذهان.

24- وان تيانسيانغ (1236- 1283)، قائد عسكري حارب الجيش المغولي لكي يحافظ على سلامة مملكة السونغ بالجنوب. قتِل يوم 9 يناير 1283 لأنه رفض الاستسلام للمغول بعد أن سقط أسيرًا في أيديهم.

25- لـمنشيوس.

26- من جملة شهيرة لـمنشيوس :"الحياة هي مُناي ؛ العدالة هي مُناي أيضًا. إن كنت لا أستطيع أن أحصل على الاثنيْن معًا، سأختار العدالة على حساب حياتي".

27- مأخوذ من النشيد الرسمي للعالمية الشيوعية. الترجمة الحرفية الصينية تعني :"لم يكن هناك أبدًا مخلـّصون، نحن لا نعوّل على الآلهة، ولا على الأباطرة ؛ لتحقيق السعادة البشرية، نحن لا نعوّل سوى على أنفسنا".

28- الامبراطور تاي وو من مملكة الواي بالشمال، ويُعرَفُ أيضًا باسم توو تاو (ح 424- 452).

29- الامبراطور وو دزونغ من مملكة التانغ، ويُعرَفُ أيضًا باسم لي يان (ح 840- 846).

30- الامبراطور وو من مملكة الجو بالشمال، ويُعرَفُ أيضًا باسم  يو يونغ (ح 561- 579).

31- الامبراطور شي دزونغ في نهاية مملكة الجو، ويُعرَفُ أيضًا باسم تشاي رونغ (ح 954- 959).

32- شعار كان قائمًا في منتصف السنوات 1960 أثناء الثورة الثقافية بالصين.

33- معبد الحصان الأبيض هو أوّل دير بوذيّ في الصين. شـُيـّد عام 68، في السنة الحادية عشرة لـيونغ بينغ أثناء حكم سلالة الهان الشرقية.

34- في لغة دايي، الكتابات المقدّسة لـبايي تـُدعى تانلان. البايي هي نبتة مدارية تنتمي لفصيلة النخيليّات. وهي عبارة عن شجرة كبيرة ذات أوراق سميكة مُضادّة للعثّ تستغرق كثيرًا من الوقت لتجفّ. في العصور القديمة، وعندما كان الورق لم يُخترع بعد، كان قدماء دايي يحفرون حروفًا أو نماذج على أوراق هذه الأشجار، والحروف المحفورة على هذه الأوراق كانت تـُسمّى مُراسلات بايي، وأمّا الكتابات فتـُسمّى تانلان (كتابات تايي المقدّسة).

35- منتزه سانغشان، يُعرَفُ أيضًا بمنتزه التلال العطرة، يقع في الشمال الغربي على بُعد 28 كيلومترًا من وسط مدينة بيكين. شـُيـّد سنة 1186 أثناء حكم مملكة الجين، وقد كان المنتجع الصيفي للأسر الامبراطورية أثناء ممالك اليوان، المينغ، والتشينغ.

36- كم من الآثار الثقافية تمرّ عليها ألسنة اللهب، لـدينغ شو.

37- الحرس الأحمر يقصدون هنا المدنيّين الذين كانوا في الجبهة الأمامية من منفـّذي الثورة الثقافية الكبرى. معظمهم كان من الشباب في سنّ المراهقة.

38- يقع القصر الصيفي على بُعد 15 كيلومترًا من بيكين، وهو أكبر حديقة ملكية وأكثر واحدة تمّ الحفاظ عليها ورعايتها. للقصر الصيفي تاريخ يمتدّ على أكثر من 800 سنة. 

39- معبد لوغوان هو مَحجّ طاوي في الصين ويتمّ تقديسه بوصفه "الأرض الأولى لأولئك الذين باركتهم السماء". يقع المعبد على تلّ شمال جبال جونغنان، على بعد 15 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من مقاطعة جوبي و 70 كيلومترًا من مدينة سيان.

40- لي هي وحدة قيس ٍ (قيس الأطوال) صينيّة. (1لي = 0.5 كيلومتر).

41- الامبراطور غاوو دزو- مملكة التانغ، ويُعرَفُ أيضًا باسم لي يوان (618- 626).

42- كانت كومونات الشعب (رنمين غونغشه) في جمهورية الصين الشعبية تمثل أعلى درجة – من ثلاث درجات- في السلـّم الإداري في المناطق الريفية في الفترة الممتدّة بين 1958 و 1982 تقريبًا. الكومونات كانت أكبر الوحدات التجمّعية، وقد تمّ تقسيمها الواحدة تلو الأخرى إلى فرق إنتاج ومجموعات إنتاج. وقد كانت الكومونات تتولـّى وظائف حكومية وسياسية واقتصادية. وفيما بعد حلـّت البلديات محلـّها.

43- انظر (36).

44- سوطرا ماهايانا ماهابارانيرفانا تـُعرَفُ بكونها آخر سوطرا ماهايانا للبوذا، قالها البوذا آخر يوم في حياته على الأرض. وهي تمثل خلاصة كلّ سوطرا الماهايانا.

45- هذه ليست ترجمة رسمية، وهي على الأرجح مأخوذة من تاييشو تريبيتاكا- المجلـّد الأوّل- من سوطرا ماهايانا ماهابارانيرفانا.

46- من كتاب "نظرية وممارسة قمع الأديان من طرف الحزب الشيوعي الصيني" بقلم باي جهي. النصّ الصيني على الرابط التاالي.

47- "موكتي" تعني الدهارما الأول أو تعليم الشرع أو التبليغ. يمكن ترجمة "موكتي" أيضًا إلى "خسارة، خروج، تخليص، تحرير، مُحَرّر، انعتاق، التخلـّص من الحدود والحصول على الحرّية، التحرّر من سفر التجسّد، من الكارما، من الوهم والسراب، من العذاب". وتعني النيرفانا وأيضًا الحرّية التي تحصل في الدهايانا (التأمّل). الهدف هو الخلاص من السامسارا (التجسّد).

48- النيرفانا، في البوذية والهندوسية، هي حالة الطمأنينة والسعادة والانسجام، بعيدًا عن العذاب وانفعالات الوجود الفردي، حالة الاتحاد مع الروح الخالدة.

49- حملة قمع لأعداء الثورة، وهي حملة اتـّخذت إجراءات عنيفة ضدّ عديد المسيّرين القدماء للجماعات السرّية، والجمعيّات الدينية، والكوومينتانغ (ك م ت) في بداية 1951.

50- "حرب لمقاومة أذى الولايات المتحدة ومساعدة كوريا" مثلما سمّاها الح ش ص، وقد اندلعت سنة 1950. وهي في الغرب تـُعرَفُ عمومًا باسم "حرب كوريا".

51- وو ياوودزونغ (1975- 1893) وآخرون نشروا "وسائل" مزعومة لكي تـُسهم الجالية المسيحية الصينية في بناء الصين الجديدة، ويُعرَفُ هذا المنشور أيضًا باسم "بيان تجديد الاستقلاليات الثلاث" سنة 1950، وهو بدوره كوّن فيما بعدُ كنيسة الاستقلاليات الثلاث.

52- "ردهة الشعب الكبيرة"، شُـيّدت سنة 1959، وتقع في الجهة الغربية لساحة تيانانمن، وهي المكان الذي يجتمع فيه المؤتمر الوطني الشعبي للصين.

53- انظر (46).

54- "روب- كساء"، الثوب الذي يرتديه الراهب، الثوب الكهنوتي.

55- جانغ بوجون (1895- 1969) كان أحد مؤسّسي "الرابطة الديموقراطية الصينية"، وهو حزب ديموقراطي في الصين. لـُقّب من طرف ماوو تسي تونغ بـ "اليمينيّ رقم 1" سنة 1957، وهو من "اليمينيين" القلائل الذين لم يتمّ ردّ الاعتبار إليهم بعد الثورة الثقافية.

56- الامبراطور هويدزونغ من مملكة السونغ، ويُعرَفُ أيضًا باسم جاوو دجي (ح 1100- 1126).

57- سو دونغبو (1036- 1101) هو شاعر صيني مشهور في مملكة السونغ .

58- وان جانغمينغ (1470- 1559) هو رسّام صيني.

59- تانغ بوهو (1470- 1523) هو عالم صيني ورسّام وشاعر في مملكة المينغ.    

60- دجين هي وحدة قيس أوزان مستعملة في الصين. الدجين يزن تقريبًا 500غ.

61- انظر (36).

62- قصيدة لمانغ هاووران (689- 740)، وهو شاعر مشهور في مملكة التانغ.

63- وانغ سي جي (321- 379)، أشهر خطاط في التاريخ، عاش أثناء حكم مملكة التانغ.

64- المقدّمة الأصلية للانغ تينغ، من المرجّح أن يكون قد كتبها وان سي جي في أوج مسيرته كخطاط (51 سنة في 353)، هذا العمل يُعتبَرُ بالإجماع أهمّ عمل في تاريخ فنّ الخط الصيني.

65- وو شانآن (1506؟- 1582؟)، كاتب أقصوصة وشاعر صيني في مملكة المينغ، وهو مؤلـّف رواية "السفر إلى بلاد الغرب" (التي تـُعرَفُ أيضًا بـ : "القرد المسافر" أو أيضًا "سفر الغرب")، وهي واحدة من بين أشهر أربع روايات صينية.

66- وو دجينغزي (1698- 1779)، كاتب متألــّق من مملكة التشينغ، مؤلـّف "قصّة غابة المثقفين".

67- عمل نثريّ من تأليف أويانغ شيو (1007- 1072)، أحد "كبار شيوخ النثر الثمانية في مملكة التانغ ومملكة السونغ". كان أويانغ شيو يلقّب نفسه بـ "السكـّير العجوز".

68- تسمية أخرى للحرس الأحمر.

69- موسوعة يونغل أو يونغل داديان : اشرف عليها الامبراطور يونغل من مملكة المينغ سنة 1403. إنها أقدم موسوعة وأضخم موسوعة في العالم. اشتغل على هذا المشروع ألفا عالمٍ (2000)، وجمّعوا 8000 نصّ تمتدّ من العصور القديمة وصولاً إلى بدايات مملكة المينغ. وانتهى إعداد الموسوعة سنة 1408، وهي تضمّ 22.000 مجلــّدًا مخطوطـًا مجموعها يملأ فضاءًا بحجم 400 متر مكعّب.

70- لين بياوو (1907- 1971) هو أحد أقدم مُسيّري الح ش ص، عمل تحت إمرة ماوو تسي تونغ كعضو في المكتب السياسي للصين، وكنائب رئيس (1958) ووزير دفاع (1959). عُيّن كخلفٍ لماوو سنة 1966 ولكنه فقد حظوته سنة 1970. قيل أنه حاول الهرب من الصين، ولكن طائرته تحطمت في منغوليا مسبّبة ً موته.

71- يمثل "ليانغ سياو" ثلــّة ً من الكتـّاب المُعيّنين، من بينهم جوييليانغ، الذي كان عضوًا في فريق التحرير، وقد كان ذلك سببًا في تلقـّيه لرسالة باعثها مجهول يكتفي بالقول أنه صديق قديم، وفي هذه الرسالة يتحدث "الصديق" عمّا سمّاه "أقصى درجات الوقاحة".

72- الامبراطور تشين شي هوانغ (259- 210 ق م)، يُعرَفُ أيضًا باسم يينغ جانغ، كان أوّل امبراطور في تاريخ الصين الموحّدة. وحّد القوانين القضائية، واللغة المكتوبة، والعملات النقدية، والأوزان ووحدات القيس، وأمر ببناء السور العظيم. كلّ هذه التدابير كان لها عظيم وعميق الأثر في التاريخ والثقافة الصينيين. كان قد أمر أيضًا بأن تـُحرق كتب مختلف المدارس، بما في ذلك كتب كونفوشيوس وكتب الطاوية، كما أمر بأن يُدفـَن 460 عالمًا كونفوشيوسيّا- يُدفنوا أحياء. فيما بعد صارت هذه الأحداث تـُعرَفُ في التاريخ تحت اسم :"إحراق الكتب ودفن العلماء الكونفوشيوسيين". شيّد هذا الامبراطور ضريحًا لنفسه، ويُعتبرُ جيش تماثيل الطين الموجود في قبر الامبراطور تشين ثامن عجائب الدنيا.

73- من كتابات ماوو تسي تونغ 1949- 1976 (المجلـّد الثاني).

74- لماوو : قوّموا أسلوب عمل الحزب (1942).

75- لماوو : خطاب في معرض يانآن للأدب والفنّ (1942).

76- وو سون (1838- 1896)، واسمه الأصلي وو تشي، وُلد في تانغيي من مقاطعة شاندونغ. فقد والده في سنّ صغيرة جدّا، ولحق الفقر بأسرته. فاضطرّ إلى تسوّل الطعام ليطعم أمّه، وعُرِفَ باسم "المتسوّل البارّ بوالدته". ثمّ بعد وفاة أمّه أصبح التسوّل بالنسبة له الطريقة الوحيدة لكسب عيشه. فيما بعد أقام مدارس مجانية بالمال الذي ادّخره من حياة التسوّل.

77- هو فانغ  (1902- 1985)، علاّمة وناقد أدبي. اعترض على الأدب المذهبي السياسي للح ش ص. طـُرد من الحزب سنة 1955 وحُكِمَ عليه بـ 14 عامًا من السجن.

78- من الأعمال المختارة  لماوو تسي تونغ، المجلـّد الخامس- الأشياء بدأت تتغيّر (1957).

79- تشيانغ بوشانغ، الثقافة الشرقية، الطبعة الرابعة (2000).

80- كانت انطلاقة الحركة الطلاّبية 4 يونيو مع مجموعة من الطلبة يريدون إصلاحاتٍ ديموقراطية في الصين، وذلك في الفترة الممتدّة بين 15 أبريل و 4 يونيو 1989. ثمّ تمّ قمع هذه الحركة  على يد جيش التحرير الشعبي، والرأي العام العالمي  يسمّي ذلك : مجزرة 4 يونيو.

81- وكالة بُعثت خصّيصًا لاضطهاد الفالون غونغ، وتتمتّع بصلاحيّاتٍ مطلقة في كلّ مستوىً في إدارة الحزب، كما في كلّ الكيانات السياسية والقضائية الأخرى.

82- نظرية "أصل الطبقات" تدّعي أنّ طبيعة الشخص تحدّدها الطبقة التي وُلدت فيها أسرته.

83- مأخوذ من نشيد الأوبرا العصرية  لبيكين : أسطورة المصباح الأحمر، إحدى كبرى المسرحيّات الثمانية النموذجية التي تمّ رعايتها رسميّا وبلغت عصرها الذهبي أثناء "الثورة الثقافية الكبرى" (1966- 1976).

84- "مو" هي وحدة قيس للمساحات مستعملة في الصين. المو الواحد يساوي 6.680 متر مربع.

85- "التمثيلات الثلاث" تدّعي أنّ الحزب يجب أن يُجسّد دومًا نزعة تكوّن ونموّ القوى الإنتجية المتقدّمة في الصين، وتوجّه الثقافة المتقدّمة للصين، والمصالح الأساسية للغالبية الساحقة من الشعب الصيني.

86- الخطاب الافتتاحي أثناء الدورة الأولى لأوّل تجمّع شعبي وطني لجمهورية الصين الشعبية (15 سبتمبر 1954).

87- "متلازمة العيون الحمر" : الغيرة هنا مستعملة لوصف الشخص الذي عندما يرى الآخرين يتصرّفون أفضل منه، يشعر بالضيق والانزعاج ويشعر أنه هو من ينبغي أن يُشهَدَ له بالتميّز والتفوّق.

88- "مسرحية نموذجية" صيغت أثناء "الثورة الثقافية الكبرى" (1966- 1976). في الأسطورة الشعبية، الفتاة ذات الشعر الأبيض هي إلهة تعيش في مغارة وتملك قدراتٍ خارقة لكي تجازي عمل الخير وتعاقب عمل الشرّ، وتناصر العدل وتحدّ من انتشار الظلم، ولكن في هذه الأوبرا الصينية الحديثة، تمّ تصويرها على أنها فتاة اضطرّت للهرب واللجوء إلى مغارة بعد أن ضربها والدها ضربًا مبرّحًا لأنها رفضت الزواج من فلاّح ومالك أراض ٍ ثريّ وعجوز. ثمّ ابيضّ شعرها من سوء التغذية. وأصبح هذا العرض أحد أشهر العروض "العصرية" وأذكى شعور الكراهية الطبقية ضدّ مالكي الأراضي.

89- حرب النفق (ديدا وو جان، فلم بالأسود والأبيض، 1965)، دارت أحداثها أثناء الحرب ضدّ اليابانيين، هذا الفلم يصوّر نضال الشعب الصيني في الصين الوسطى حيث حارب الجنودَ اليابانيينَ مستعملاً مختلف الممرّات النفقية.

90- حرب المناجم (ديلاي جان، فلم بالأسود والأبيض، 1965)، تدور وقائعها في السنوات 1940 ؛ يصوّر الفلم حرب العصابات في مقاطعة هيباي وكيف قاوم هؤلاء العصابات غزو الفرق اليابانية بواسطة مناجم صناعية.

91- تحرير أدبي مُدرج في امتحانات الخدمة المدنية الامبراطورية، وهذا التحرير معروف بصرامة شكله وضحالة أفكاره.

92- المجاعة الكبرى من 1959 إلى 1961 في الصين هي أكبر مجاعة في تاريخ البشرية. يُقدّر عدد الوفيّات في هذه المجاعة بين 18 و 43 مليون.

93- انظر (7).

94- عن ماوو تسي تونغ.

95- حركة 4 مايو كانت أوّل حركة جماهيرية في تاريخ الصين الحديثة، بداية ً من 9 مايو 1919.

96- شان غويلي، إنذار نهر هوايهه (1995).

97- مأخوذ من المقدمة :"لأجل رؤية لي يوان يعود إلى بانغو" من تأليف هان دو (768-   824)، وهو أحد أكبر شيوخ النثر الثمانية في مملكتي التانغ والسونغ.

98- تاوو يوانسينغ (365- 427)، يُعرَفُ أيضًا بتاوو تشيان، وهو أحد أكبر الشعراء في تاريخ الأدب الصيني.

 

جميـع الحقوق محفوظة للناشر - صحيفة الإيبوك تايمز