المقالة الثانية : بدايات الحزب الشيوعي

توطئة

رجل صيني يتأمل رسمًا يمثل الزعيم الشيوعي السابق ماوو تسي تونغ بصدد الإعلان عن نشأة الجمهورية الشعبية الصينية، عند بوابة المدينة المحرمة في 1949. تاريخ الحزب الشيوعي مخضب بدم الأبرياء ومليئ بالأكاذيب رغم أنه، هو، يدعي العكس. (صورة غوه تشاي هين/أ.ف.ب/صور جاتي)

حسب ما هو وارد في كتاب "شرح الكلمات البسيطة وتجزئة الكلمات المركـّبة" (شوو وان دجيتسي)، الذي كتبه المُؤلف سوشان في سنة 147م في ظلّ الأسرة الحاكمة هان الشرقية، فإنّ تعبير الكلمة الصينية القديمة "دانغ" أي "حزب" أو "زُمرة" يتمثـل في جذريْن هما : "تـنشئة، تكوين" أو "الدعوة إلى" ؛ والآخر "ظلمة" أو "أسود". فإذا جمعنا الجذريْن معًا فإنّ الكلمة تعني : "إنجاح الظلمة". وتعبير "حزب" أو "عضو حزب" هو تعبير ذو معنى سلبي. لقد قال كونفوشيوس "الإنسان النبيـل هو إنسان ذو عزّة وأنـفة ولكنه ليس غليظـًا، وهو إنسان اجتماعي ولكنه لا ينتمي لأيّ حزب". في الملاحظات (لون يو) التي تذيّـل المختارات الأدبية، نجد الشرح التالي وهو أنّ "الناس الذين يتعاونون من أجل إخفاء أعمالهم يُعتـَبَرُ أنهم يُكوّنون عـُصبة ً (حزبًا)". وفي تاريـخ الصين، غالبًا ما سُمّيت الجماعات السياسية "بانغ دانغ" (مؤامرات). في الثقافة الصينية الموروثة، هذه العبارة مُرادفة لـ "عـُصبة، زُمرة من الصعاليك" وهي تنطوي على معنى تكوين زُمرة ذات أهداف شخصية أنانية.

لماذا ظهر الحزب الشيوعي، وكبُرَ، ثمّ في النهاية استولى على السلطة في الصين الحديثة ؟ الحزب الشيوعي الصيني (ح ش ص) لم يفتـأ يحقـِنْ ذهن الشعب الصيني بأنّ التاريـخ قد اختار الـح ش ص، أنّ الشعب قد اختار الـح ش ص، وأنه بدون الـح ش ص لم تكـُنْ لـِتوجد صين حديثة.

هل اختار الشعب الصيني الحزب الشيوعي ؟ أم أنّ الحزب الشيوعي هو الذي انبرى كعصابةٍ وفرض نفسه على الشعب الصيني ؟ علينا أن نجد الأجوبة في التاريـخ.

منذ آخر أسرة حاكمة في التشينغ (1644-1911) وصولاً إلى السنوات الأولى من فترة النظام الجمهوري (1911-1949)، عاشت الصين كثيرًا من الصدمات الخارجية ومُحاولات مُتكرّرة للإصلاح الداخلي. لقد كان المُجتمع الصيني يوجد في حالة اضطراب مؤلمة. كثير من المثقـفين وأشخاص ذوي مـُثـل عليا سامية كانوا يُـريدون إنقاذ البلاد والشعب. ومع ذلك، في خضـمّ الأزمة الوطنية والفوضى، احتـدّ شعورهم بالقـلق والخوف، وقادهم ذلك إلى شعور بالخيبة في البداية ثمّ إلى اليأس التامّ. ومثل شخص مريض ينشُدُ أيّ طبيب، فقد بحثوا خارج الصين ليجدوا حلولاً. بعد أن فشل المثال البريطاني ثمّ الفرنسي، التـفتوا إلى المثال الروسي. وتحت تأثير لهفتهم القـلقة على النجاح، لم يتردّدوا في اختيار أقصى وأشدّ علاج للمرض، آملين أن تـُصبح الصين قويّة بسرعةٍ.

وقد عكست حركة مايو 1919 بعُمق هذا اليأس. كان بعض الأشخاص يدعون إلى الفوضى ؛ وكان البعض الآخر يقترحون الإطاحة بتعاليم كونفوشيوس ؛ وآخرون يقترحون استيراد الثقافة الغربية. وباختصار فقد كانوا مُتـّفـقين على رمي الثقافة الموروثة وكانوا مُعارضين لتعاليم كونفوشيوس التي تدعو إلى اتـّخاذ طريق الوسط. وقد حَدَت بهم رغبتهم في اختصار الطريق إلى الدعوة إلى تحطيم كلّ الموروثات. المُتطرّفون منهم لم يكـُنْ بإمكانهم بتاتـًا أن يخدموا البلاد من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى كانوا يعتقدون اعتقادًا قويّا في إرادتهم الذاتية ومُـثـلهم. كانوا يُحسّون أنّ العالم أضحى بلا أمل، وأنهم هم الوحيدون الذين يعرفون المُقاربة النافعة من أجل التقدّم المُستقبلي للصين. لقد كانوا مُولعين بالثورة والعنف.

مختلف التجارب أدّت إلى مختلف النظريات والمبادئ والسّـبُـل داخل مختلف المجموعات. وفي النهاية، التقى بعضهم بمُمثـلي الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي. كانت فكرة "استعمال ثورة عنيفة للاستيلاء على السلطة السياسية"، كانت هذه الفكرة المستعارة من الماركسية-اللينينية تجذب أفئدتهم القـلقة وتتـّفـق مع رغبتهم في إنقاذ البلاد وشعبها. ومن ثـَمّ، أدخلوا الشيوعية للصين، وقد كانت الشيوعية حينها مفهومًا غريبًا تمامًا عن الصين. كان هناك في المُجمل 13 مُمثـلين حاضرين في المؤتمر الأوّل للـح ش ص. وفيما بعدُ، مات بعضهم، وهرب البعض الآخر، وعمـِلَ البعض الآخر لصالح قوات الاحتلال اليابانية وأصبحوا خـَوَنة للصين، وآخرون غادروا الـح ش ص ليلتحقوا بالكوومينتانغ (الحزب القومي الصيني، ك م ت). وفي سنة 1949، عندما وصل الـح ش ص إلى السلطة، لم يكـُن قد بقي من المجموعة الأولى ذات الـ 13 عضوًا من أعضاء الحزب سوى ماوو تسي تونغ و دونغ بـيوو. من الصعب أن نجزم بما إذا كان مُؤسّسو الـح ش ص واعين في ذلك الوقت أنّ تلك "الآلهة" التي جلبوها من الاتحاد السوفييتي كانت في الواقع شيطانـًا، وأنّ الدواء الذين كانوا ينشدونه لتقوية الأمّة كان في الواقع سمّا زعافـًا.

كان الحزب الشيوعي الروسي البولشيفي (والذي عـُرفَ لاحقـًا باسم الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي)، والذي كان قد أتـمّ لتوّه ثورته، كان مهووسًا بطموحاته وآماله التي يُعلــّقها على الصين. في سنة 1920، أسّس الاتحاد السوفييتي مكتب الشرق الأقصى، فرعًا من العالمية الثالثة، أو الكوومينتارن. كان هذا الكوومينتارن مُكلــّفـًا بوضع أسس حزب شيوعي في الصين وفي بلدان أخرى. كان سوميتسكي رئيس المكتب وكان غريغوري فويتينسكي مُساعدًا. وشرعا في تحضير أساس الحزب الشيوعي الصيني بمعيّة شان دومياوو وآخرين. الاقتراح الذي تـمّ تقديمه إلى مكتب الشرق الأقصى في يونيو 1921 والمُتمثـل في وضع فرع صيني للكوومينتارن، يُبيّن أنّ الـح ش ص كان فرعًا يُسيّره الكوومينتارن. وفي 23 يوليو 1921، وبمساعدة أعضاء مكتب الشرق الأقصى نيكولسكي ومارينغ، تكوّن الـح ش ص بصفةٍ رسميّةٍ.

وعندها تـمّ إدخال الحركة الشيوعية للصين على سبيل التجربة، ومنذ ذلك الحين، نصّب الـح ش ص نفسه فوق كلّ شيءٍ، مُستوليًا على كلّ شيءٍ يعترضه في طريقه، وجارّا على الصين مصائبَ لا تنتهي.

I. تكوّن الـح ش ص بواسطة تراكم مستمرّ للشرور

لم يكـُن بالسهل إدخال شيطان غريب مثـل الحزب الشيوعي إلى الصين، بلد الحضارة التي يمتدّ تاريخها على 5.000 سنةٍ، شيطان يتعارض تمامًا مع الموروث الصيني. لقد خدع الـح ش ص الشعب والمُثقـفين الوطنيين الذين كانوا يُريدون أن يخدموا البلاد بوعود "المثالية الشيوعية". وقد شوّه هذا نظرية الشيوعيّة أكثر وأكثر، هذه النظرية التي كان قد شوّهها لينين تشويهًا خطيرًا في مرحلة أولى، وذلك لكي تكون قاعدة  نظريّة لتحطيم كلّ المبادئ والقيم الأخلاقية الموروثة. ثمّ إنّ نظريّة الـح ش ص المُشوّهة قد استـُعمـِلتْ لتدمير كلّ ما ليس في صالح حكم الـح ش ص وسيادته، ولكي تـُزيل كلّ الطبقات الاجتماعيّة والناس الذين يُمكن أن يُهدّدوا نفوذه. لقد تبنـّى الـح ش ص تحطيم كلّ المُعتقدات أثناء الثورة الصناعية وتبنـّى الإلحاد في أشدّ وأقصى درجة يُمكن أن تكون في الشيوعية. لقد ورث الـح ش ص إلغاء الملكيّة الخاصّة الذي تدعو إليه الاشتراكية واستورد نظرية الثورة العنيفة من لينين. وفي نفس الوقت، ورث الـح ش ص أسوء ملامح النظام الملكيّ الصيني وعمّـق هذه الملامح.

إنّ تاريـخ الـح ش ص هو مسار تراكم متواصل لجميع الشرور، المحلــّية والأجنبية. لقد نمـّق هذه الملامح التسعة التي ورثها مُضفيًا عليها "خصوصيّات صينية" : الفساد، الكذب، الاستفزاز، تسيّب حثالة المجتمع، الجوسسة، النهب، الصراع، التصفية، والسيطرة. وكردّ على الأزمات المتواصلة، دعّم الـح ش ص وقوّى الوسائل المُستعمَلة لتـفعيل تلك الخصوصيّات الخبيثة وتوظيفها كما حرص على انتشار هذه الوسائل انتشارًا أوسع.

1- أولى الملامح الموروثة : الفساد – ارتداء الصورة الفاسدة للماركسية-اللينينية

في البداية، جذبت الماركسية الشيوعيين الصينيين من خلال تصريحها بـ "استعمال الثورة العنيفة لتدميـر الجهاز الحكومي وتأسيس ديكتاتورية البروليتاريا". ذاك هو بالتحديد جذر الشرّ في الماركسية واللينينية.

ترتكـز المادّية الماركسية على المفاهيم الاقتصادية التالية : قوّة الإنتاج، العلاقات الإنتاجية، والقيمة المُضافة ؛ وهي مفاهيم محدودة. أثناء المراحل الأولى، عندما كانت الرأسمالية لا تزال في طور نموّها، برهن ماركس على قصور في نظرته عندما تنبّأ بموت الرأسمالية وانتصار البروليتاريا، وهو ما فنـّده التاريـخ والواقع. الثورة العنيفة وديكتاتوريّة البروليتاريا عند الماركسية-اللينينية تـُفضلان سياسة السلطة وثورة البروليتاريا. وقد نسب بيان الحزب الشيوعي القاعدة التاريخية والفلسفية للحزب الشيوعي للصراع ولمعركة الطبقات. لقد حطمت البروليتاريا الروابط التي تربطها بالقيم الأخلاقية الموروثة وبالعلاقات الاجتماعية لكي تستولي على السلطة. ومنذ أوّل ظهور له، تأسّس مذهب الشيوعية على طرف النقيض من كلّ القيم الموروثة.

إنّ الطبيعة الإنسانية بصفةٍ عامّةٍ ترفض العنف. العنف يُعوّد الناس على القسوة والطغيان. إذن ففي كلّ زمان ومكان، رفضت الإنسانية من الأساس بوادر نظريّة العنف التي نجدها في الحزب الشيوعي، هذه النظرية التي لم يسبـقْ وأن وُجـِدت قطـّ في أيّ من أنظمة التفكير، أو الفلسفة، أو الأنظمة الموروثة من الماضي. وكأنّ نظام الرعب الشيوعي قد سقط على الأرض من حيثُ لا ندري.

إنّ الايديولوجية الفاسدة للـح ش ص ترتكـز على فكرة أنّ "الإنسان يستطيـع أن يغزو السماء" وأنها تـُريد أن تـُغيّـر وجه العالم بطريقة غير طبيعية. لقد جذب الحزب الشيوعي ناسًا كثيرين بشعاراته المُنادية بـ "تحريـر كلّ الإنسانية" و "الوحدة العالمية". لقد خدع ناسًا كثيرين، وبالأخصّ أولئك الذين كانت تشغلهم وضعية الإنسان وكانوا حريصين على تحقيق النجاح في المجتمع. ثمّ فيما بعدُ، نسي هؤلاء الناس أنّ هناك سماءًا توجد فوق البشر. لقد كانت تملأ رؤوسهم تلك الفكرة الجميلة واللا- معقولة، فكرة "إقامة الجنّة فوق الأرض". لذلك رَمَوْا بالقيم الموروثة، واستهانوا بحياة الناس، وعاد عليهم ذلك بالتدهور والانحطاط على المستوى الشخصي. وقد فعلوا كلّ ذلك في محاولةٍ منهم لنيْـل شرف إسداء خدمات قيّمة للـح ش ص.

لقد قدّم الحزب الشيوعي فكرة "الجنّة الشيوعية" كما لو كانت حقيقية، وأثار حماس الشعب للذود عن هذه الفكرة :"العقـل يُرعد ويُزبد في فوّهته، إنه الانفجار البركاني الأخير. فلـنمسحْ كلّ أثر للماضي. ركائـز العالم ستـتغيّر ! "انهضوا ! يا حُـشود العبـيد، انهضوا ! ركائـز العالم ستـتغيّر" [1]. إذن بهذه الفكرة المستحيلة وعديمة المعنى، حطـّم الـح ش ص الصّـلة بين الإنسان والسماء، وقطع خيط الحياة الذي يربط الشعب الصيني بأجداده وبتراثه القوميّ. وفي دعوته للناس إلى إعطاء حياتهم فداءًا للشيوعية، قوّى الـح ش ص أكثر وأكثر قدرته على الإيذاء.

2- ثاني الملامح الموروثة : الكذب – ينبغي على الشرّ أن يكذب لكي يتظاهر بالاستقامة

يجب على الشرّ أن يكذب. عندما أراد الـح ش ص أن يستـفيد من طبقة العمّال، أطلق على نفسه ألقابًا مثـل "الطبقة الأكثر تقدّمًا"، "الطبقة الخيرية"، "الطبقة المُسيّرة" و "روّاد الثورة البروليتارية". وعندما احتاج الحزب الشيوعي للفلاحين، وعدهم بـ "الأرض للمُزارع". كان ماوو يُصفـّـق للفلاحين ويقول :"لولا الفلاحون الفقراء، لـَمَا كانت هناك ثورة ؛ إنكار دور الفلاحين هو إنكار للثورة في حدّ ذاتها" [2]. وعندما احتاج الحزب الشيوعي لمُساعدة الطبقة الرأسمالية، سمّاها "رُفقاء الطريق في الثورة البروليتارية" ووعدها بـ "نظام جمهوري ديموقراطي". وعندما كان الحزب الشيوعي على وشك الموت على يد الك م ت، صاح عاليًا :"الصينيون لا يُحاربون الصينيين" ووعد بتسليم نفسه لقوّاد الك م ت. وحالما انتهت الحرب ضدّ اليابانيين (1937-1945)، انقـلب الـح ش ص بقوّةٍ على الك م ت وأطاح بحكومته. كما قضى الـح ش ص على الطبقة الرأسمالية بعد وقتٍ قصير من تمكـّنه من السيطرة على الصين، وفي النهاية، حوّل الـح ش ص الفلاحين والعمّال إلى بروليتاريا فقيرة فقيرًا مُدقعًا.

فكرة "جبهة مُوحّدة" هي مثال نموذجي للأكاذيب التي تلفـّـظ بها الـح ش ص. عندما كانت غاية الـح ش ص هي الانتصار في الحرب الأهلية بينه وبين الك م ت، تخلــّى عن تكتيكه المُعتاد والمُتمثـل في قـتل كلّ أفراد عائلات أصحاب الأراضي والفلاحين الأغنياء، فتبنـّى سياسة "توحيد مُؤقت" مع أعدائه الطبقيين، بما فيهم أصحاب الأراضي والفلاحين الأغنياء. في 20 يوليو 1947 أعلن ماوو تسي تونغ :"باستثناء بعض العناصر المُرتدّة، يحسُنُ بنا أن نتبنـّى سلوكـًا ليّنـًا أكثر إزاء طبقة البروليتاريا من أجل الحدّ من عدد العناصر المُعادية". ولكن بعد أن حصل الـح ش ص على السلطة، لم يُفـلت أصحاب الأراضي والفلاحون الأغنياء رغم ذلك من المجزرة.

قولُ شيءٍ وفعـلُ شيءٍ آخر هو أمر عاديّ بالنسبة للحزب الشيوعي. عندما احتاج الـح ش ص لاستعمال الأحزاب الديموقراطية، دفع كلّ الأحزاب إلى "البحث عن كيفيّة تعايش على المدى الطويل، وممارسة مُراقبة مُتـَبادلة، وأن يكون الفرد صادقــًا تـُجاه الآخر، وأن يتقاسموا الشرف والعار". وكلّ من لم يكـُن مُوافقــًا أو كان يرفض الامتثال لمفاهيم الحزب، أو لعباراته، أو لأفعاله أو لتنظيمه كان يـقعُ تصفيته. ماركس، لينين ورؤساء الـح ش ص، كلــّهم قالوا أنّ السلطة السياسية للحزب الشيوعي لن يتقاسمها معه فرد ولا مجموعة. كانت الشيوعية منذ البداية تحملُ في أحشائها بذرة الديكتاتورية. إنّ الـح ش ص مُستبدّ وإقصائيّ. وهو لم يتواجد أبدًا مع أيّ حزب سياسيّ آخر أو أيّ جماعةٍ أخرى بطريقةٍ صادقةٍ، إن كان ذلك عندما كان يُحاول الاستحواذ على السلطة أو بعد أن استحوذ عليها. وحتـّى أثناء فترة "الهدنة" المزعومة، فإنّ تواجد الـح ش ص مع آخرين كان مشهدًا كوريغرافيّا على أكثر تقديـر.

إنّ التاريـخ يُعلــّمنا ألاّ نـُصدّق أيّ وعدٍ وعده الـح ش ص، وألاّ نأملَ بأن يفي بالتزاماته. تصديق ما يقوله الحزب الشيوعي بخصوص أيّ موضوع يُمكن بسهولةٍ أن يُكلــّفكم حياتكم.

3- ثالث الملامح الموروثة : الاستفزاز – إثارة الكره وتحريض الشعب على الصراع

إنّ الكذب يصلـُحُ لإثارة الكره. إنّ الصراع يتوقف على الكره. وحيثُ لا يوجد الكره، فيُمكن خلقــُهُ.

إنّ نظام العشيرة القــَبَليّة المُتجذر في الأرياف الصينية كان يُمثـل العائق الأساسي أمام نشأة وتكوّن السلطة السياسية للحزب الشيوعي. كان المُجتمع الريفي من الأساس مُوَحّدًا ومُنسجمًا، والعلاقة بين أصحاب الأراضي والأجَرَاء لم تكون تقوم على المواجهة بصفة كـُلــّية. أصحاب الأملاك كانوا يمنحون الفلاحين وسيلة للعيش، وفي المُقابل كان الفلاحون يُعاضدون المالكين.

إنها بشكـل أو بآخر علاقة تـَبَعيّة مُتبادَلة، ولكنّ الـح ش ص شوّهها مُحوّلاً إيّاها إلى عدم تكافؤ أقصى بين الطبقات وإلى استغلال طبقيّ أقصى. تحوّل الانسجام إلى عداوة، وإلى كره وإلى صراع. أصبح المنطقيّ غير منطقيّ، وأصبح النظام فوضى، وأصبح النظام الجمهوري استبدادًا. شجّع الحزب الشيوعي على مُصادرة الأملاك، وعلى القـتل من أجل الأسلحة، وعلى تقـتيل أصحاب الأملاك والمُزارعين الأغنياء وعائلاتهم. الكثير من الفلاحين لم تكـُن لديهم القابليّة والاستعداد لأخذ مُمتلكات الآخرين. كان بعضهم يُرجعون في المساء ما كانوا قد أخذوه من أصحاب الأملاك في النهار، ولكن وقع انتقادهم من طرف فرق عمل الـح ش ص في المناطق الريفية بكونهم "ذوو وعي طبقيّ مُتدنّ".

لكي يُثير الكره بين الطبقات، حوّل الـح ش ص المسرح الصيني إلى مُجرّد وسيلة دعايةٍ. إحدى شخصيّات حكاية مشهورة عن الطبقات المُضطهَدَة، الفتاة ذات الشعر الأبيض [3]، كانت في الأصل شخصية ناسكة صالحة ولم تكـُن لديها أيّ علاقة بالصراع الطبقي. ولكن تحت قلم الكـُتـّاب العسكريين، انقلبت الحكاية إلى "دراما" حديثة، وأوبرا وباليه، مُوظفة لإثارة الكره بين الطبقات. عندما اجتاحت اليابان الصين أثناء الحرب العالمية الثانية، لم يُناضل الـح ش ص ضدّ الفرق اليابانية ؛ وبدلاً من ذلك، هاجم حكومة الك م ت مُتـّهمًا إيّاها بأنها لم تـُناضل ضدّ اليابان وأنها خانت البلاد. حتـّى في تلك الآونة الحاسمة، في ملء كارثة وطنية، حرّض الشعب على الاعتراض على حكومة الك م ت.

تحفيز جماعات الشعب على الصراع بعضها ضدّ البعض الآخر هي حيلة كلاسيكية من حيل الـح ش ص. لقد خلق الـح ش ص صيغة 95 لـ 5 لتحديد التوزيـع الطبقي : 95 % من الشعب يتمّ تقسيمه إلى مُختلف الطبقات التي يُمكن إقناعها ، بينما الـ 5 % الباقية يتمّ اعتبارها "أعداء طبقيـين". الناس الموجودون في الـ 95 % كانوا آمنين، بينما الـ 5 % الباقية كانوا أولئك الذين يجبُ "مُصارعتهم". كان الناس، بدافع الخوف ولحماية أنفسهم، يحشرون أنفسهم في الـ 95 %. وقد جـرّ هذا حالاتٍ كثيرة آذى الناس فيها بعضهم البعض، "من سقط في البئر، يرمون عليه الحجارة". لقد طوّر الـح ش ص هذه الوسيلة من خلال استعمال الاستفزاز في كثير من حركاته السياسية.

4- رابـع الملامح الموروثة : إخلاء المجال لحُـثالة المُجتمع – منبوذو المُجتمع يُكوّنون فرق الـح ش ص

إخلاء المجال لحُـثالة المُجتمع يُؤدّي إلى الفساد، مثـلما الفساد يحتاج إلى حُـثالة المُجتمع. كثيرًا ما استخدمت الثورات الشيوعية تمرّد الحُـثالة والمنبوذين من المُجتمع – عالميّة باريس مثلاً كانت تتضمّن أعمال قـتل وحرائق وعنف بثها المنبوذون من المُجتمع في كلّ مكان. حتـّى ماركس نفسه كان ينظر نظرة احتقار للـ "البروليتاريا الرثة" [4]. لقد قال ماركس في بيان الحزب الشيوعي :"أمّا بالنسبة للـ "البروليتاريا الرثة"، هذا النتاج الذي أفرزه تعفـّن الطبقات السفلى للمجتمع القديم، فيُمكن أن نجدهُ هنا وهناك، يحملـُهُ عَرَضًا تيّار ثورة بروليتارية ؛ ومع ذلك فإنّ ظروف عيشه غالبًا ما تؤهّـله لأن يبيـعَ نفسه لحركة التمرّد". من جهةٍ أخرى، فإنّ الفلاحين ليسوا مُؤهّـلين، حسب ماركس و انغلس، لأن يُكوّنوا طبقة اجتماعيّة بسبب تشتـّتهم وبسبب جهلهم.

لقد طوّر الـح ش ص أكثر شيءٍ الجانب الظلامي في نظريّة ماركس. لقد كان ماوو تسي تونغ يقول :" المنبوذون من المُجتمع والصّعاليك كانوا دائمًا موضع احتقار من المُجتمع، ولكنهم في الواقع هم الثوريّون الأكثر همّة ً والأكثر تطرّفـًا والأكثر صلابة ً في المناطق الريفية" [2]. إنّ البروليتاريا الرثة زادت من حدّة الطبيعة العنيفة للـح ش ص، وهي من وضعت في البداية قواعد السلطة السياسية للـح ش ص في المناطق الريفية. في اللغة الصينية، كلمة "ثورة" تعني حرفيّا "قـتل كائن حيّ"، وهذا أمر مُفزع ومُؤلم في منظور كلّ إنسان طيّب. ورغم ذلك فقد توصّـل الـح ش ص إلى أن يصبـغ "الثورة" بمعنـًى إيجابيّ. وفي نفس المسار، أثناء الثورة الثقافية، وبمُناسبة نقاش بخصوص لفظة "بروليتاريا رثة"، ارتأى الـح ش ص أنّ "بروليتاريا رثة" ليس لها وقع جيّد، فعوّضها بـ "بروليتاريا".

تصرّف آخر من تصرّفات منبوذي المجتمع وهو أن يلعبوا دور الصعاليك. عندما كان بعضهم يلوم مُوظفي الحزب بكونهم ديكتاتوريين، كانوا يكشفون عن نزعتهم الغليظة الفظة ولا يتورّعون عن قول أشياء مثل "أنتم مُحقــّون، نحن هكذا بالضبط. الخبرة التي حصّـلها الصينيون على مدى العشريّات الأخيرة، تـُملي علينا أن نـُمارس هذه السلطة، سلطة الديكتاتورية الديموقراطية. نحن نُسمّيها الأوتوقراطية الديموقراطية الشعبية".

5- خامس الملامح الموروثة : الجوسسة – التسرّب، بثّ الفتنة، التفكيك والتعويض

بالإضافة إلى الغشّ، والتحريض على العنف واستعمال منبوذي المُجتمع، كان يتمّ اللجوء أيضًا إلى تقنية الجوسسة وبثّ الفتنة. لقد كان الـح ش ص موهوبًا في فنّ التسرّب والانـدساس. منذ عدّة عقودٍ من السنين، "كبار العُملاء السرّيين" الثلاثة الذين يعملون لصالح الـح ش ص : "تشيان جوانغ فاي"، "لي كينونغ"، و"هوبايفانغ"، كانوا في الحقيقة يعملون لصالح "شان غانغ" رئيس الفرع الثاني للجوسسة في اللجنة المركزية للـح ش ص. في نفس الوقت الذي كان فيه تشيان جوانغ فاي يعملُ كأمين سرّ ورجل ثقة تحت إمرة سبو إينجنغ، مُدير مكتب مباحث الكوومينتانغ (ك م ت)، في نفس ذلك الوقت، استعمل الأوراق الخاصّة بأقسام التنظيم التابعة للكوومينتانغ لكتابة رسالتيْن. كانت هاتان الرسالتان تحتويان على معلوماتٍ سرّية بشأن المُخطط الاستراتيجي الأوّل والثاني للـك م ت والمُتعلـّقيْن بمُحاصرة فرق الـح ش ص في مُقاطعة "دجيانغسي". وأرسلهما إلى "لي كينونغ" الذي سلـّمهما يدًا عن يدٍ لـِجو آنلاي – والتي تـُكتـَبُ أيضًا "شو آنلاي"[5]. في شهر أبريل 1930، تمّ في منطقة الشمال الشرقي للصين وضع قواعد مُنظمة خاصّة للعُملاء المُزدوجين أسّسها فرع المباحث المركزية للـك م ت. في الظاهر كانت تنتمي للـك م ت ويُديرُها "تشيان جوانغ فاي"، ولكنها في الخفاء كانت تحت سيطرة الـح ش ص تحت إدارة شان غانغ.

وقد التحق لي كينونغ أيضًا بالقيادة المركزية للقوات المُسلـّحة للـك م ت بصفته مُختصّا في الكتابات القديمة. لقد كان "لي" هو من فكّ شفرة الرسالة العاجلة بخُصوص إيقاف غو شونجانغ [6] وثورته، وهو مُدير مكتب أمن الـح ش ص. وقد أرسل تشيان جوانغ فاي في الحال الرسالة بعد فكّ رموزها إلى جو آنلاي، وبذلك حال دون وقوع مجموعةٍ كاملةٍ من الجواسيس في فخّ الشباك.

كان يانغ دانغيـينغ مُمثلاً خاصّا - مُواليًا للشيوعية - عن المكتب المركزي لمباحث الـك م ت الواقع في شانغهاي. كان الـح ش ص يأمره بإيقاف وبإعدام أعضاء الحزب الذين كان الـح ش ص لا يراهم جديرين بالثقة كثيرًا. في إحدى المرّات، حدث أن تهجّم مُوظف سام ٍ في الـح ش ص من مُقاطعة "هينان" على إطار من إطارات الحزب، فقام أعوانه أنفسهم بإيقاعه في حبل المصيدة، مُسبّبين اعتقاله في سجن الـك م ت لسنواتٍ عديدةٍ.

أثناء "حرب التحريـر" [7]، نجح الـح ش ص في تنصيب عميل ٍ سرّي كان محلّ الثقة التامّة لشيانغ كاي- شك – والمُسمّى أيضًا بدجيانغ جيي شي" [8]. كان ليو باي، اللواء العامّ والوزير المُساعد في قسم الدفاع، مُكلـّفـًا بتوزيـع الفرق المُسلـّحة للـك م ت. في الحقيقة، كان ليو عميلاً سرّيًا للـح ش ص. وقبل أن يكون الـك م ت قد عرف مهمّـته المُقبلة، كانت المعلومات بخصوص المكان المُبرمج لانتشار الفرق قد وصلت إلى "يانآن"، القيادة المركزية للـح ش ص. فرسم الحزب الشيوعي بمُقتضى ذلك خطـّة ً دفاعيّة. وقد قام سيونغ سيانغي، الذي كان سكرتيرًا وعضـُدًا أيمنـًا لـ "هو تسوغنان" [9] بكشف خـُطط "هو" بخصوص اجتياح "يانآن" لـ "جو آنلاي". وعندما وصل "هو" وفرقه إلى "يانآن"، لم يكـُنْ قد بقي هناك أحد. لقد قال "جو آنلاي" مرّة :"لقد كان الرئيس ماوو يعرف الأوامر العسكرية الصّادرة عن "شيانغ كاي- شك" حتـّى قبل أن تصل إلى قائد جيش شيانغ".

6- سادس الملامح الموروثة : النهب – سلب الناس عن طريق الحيلة أو عن طريق القوّة يُضحي "نظامـًا جديدًا"

كلّ ما يملكه الـح ش ص حصل عليه بواسطة النهب. عندما كوّن الـح ش ص الجيش الأحمر لكي يُرسي نفوذه بواسطة القوّة العسكرية، كان في حاجةٍ إلى المال لتوفير الأسلحة والزاد والثياب. لقد لجأ الـح ش ص إلى "أخذ العقارات والأصول التجارية" وذلك بالأساس بواسطة قمع "الطغاة المحلــّيين" وبواسطة نهب البنوك تمامًا مثـل اللصوص. أثناء مُهمّةٍ قادها "لي سيانيان" [10]، وهو أحد الموظفين السّامين في الـح ش ص، اختطف الجيش الأحمر العائلات الأكثر ثراءًا في المنطقة الغربية من مقاطعة "هوباي". ولم يكتفوا باختطاف شخص واحد، بل اختطفوا فردًا من كلّ أسرة تنتمي لعشيرة مُعيّنة. كانوا يُبقون على حياة أولئك المُختـَطفين وكانوا يفرضون الفدية على عائلاتهم مُقابل عودتهم، وذلك لتوفير حاجة الجيش المُتواصلة إلى المال. لم يكونوا يُرسلون الرهائن إلى بيوتهم إلاّ عندما يكون الجيش قد أخذ حاجته واكتفى أو عندما تستنفد عائلات المُختـَطفين كامل مواردها ؛ وغالبًا ما يكون أولئك الرهائن في رمقهم الأخير عند العودة ؛ بل إنّ بعضهم يكون قد عانى من أصناف الرعب والتعذيب إلى درجة أنه كان يموت قبل أن يتمكـّن من العودة إلى بيته.

بواسطة "سيادته على الطغاة المحلــّيين واحتجاز أراضيهم"، وسّع الـح ش ص نطاق نهبه عن طريق الحيلة والعنف ليشمل المجتمع بأكمله، مُعوّضـًا النظم الموروثة بـ "النظام الجديد". لقد اقترف الحزب الشيوعي مُختلف أصناف الأفعال السيئة، الصغيرة منها والكبيرة، دون أن يقوم بشيءٍ طيّبٍ أبدًا. إنه يمنحُ امتيازاتٍ صغيرة لأحدهم ليَدفع البعض إلى أن يُشهّر بالبعض الآخر. ونتيجة ً لذلك اختفت الفضيلة واختفى الإحسان تمامًا، واستـُبْدِلا بالصراع والقـتل. في الواقع "المثاليّة الشيوعيّة" هي تورية وتلطيف لما هو في الأصل "النهب العنيف".

7- سابع الملامح الموروثة : الصراع – تحطيم النظام القوميّ وتحطيم الطبقات وتحطيم النظام الموروث

الكذب والاستفزاز وإخلاء المجال لحثالة المجتمع والجوسسة، الهدف منها كلــّها هو النهب والصراع. الفلسفة الشيوعيّة تدعو إلى الصراع. لم تتـلخـّص الثورة الشيوعيّة مُطلـقـًا في مُجرّد أعمال ضرب وأعمال عنف ونهب فوضويّة. قال ماوو :"إنّ الأشياء الرئيسية التي تستهدفها مهاجمة الفلاحين هي الطغاة المحلــّيون، الطبقة النبيلة الفاسدة وأصحاب الأملاك الذين لا ذمّة لهم ولادين، ولكنها تستهدف أيضـًا مُختلف أصناف الأفكار والمُؤسّسات البطريركيّة، كما تستهدف الموظفين الفاسدين في المُدن والعادات والمُمارسات السيّئة في المناطق الريفيّة" [2]. لقد أمر ماوو صراحة ً بتدميـر النظام الموروث بأكمله وبتدميـر تقاليد الأرياف.

إنّ الصراع الشيوعيّ يتضمّن أيضـًا القوات المُسلـّحة والصراع المُسلـّح. "إنّ الثورة ليست دعوة ً إلى العشاء، أو إلى كتابة مقال ٍ، أو إلى رسم لوحةٍ، أو ممارسة التطريز، إنها لا يُمكن أن تكون شيئًا رقيقـًا وهادئًا ووديعًا كهذا، شيئًا مُعتدلاً، لطيفـًا، مُهذبًا، رصينـًا وأريحيّا. الثورة هي انقلاب، عمل عنيف بواسطته تقـلـِبُ طبقة طبقة أخرى." [2] لقد استعمل الـح ش ص الصراع لمّا حاول الاستيلاء على السلطة بالقوّة. وبعد مرور بضعة عقودٍ من ذلك، استعمل الـح ش ص الخاصّية نفسها، خاصّية الصراع، لـ "تربية" الجيل الناشئ أثناء "الثورة الثقافية الكبرى".

8- ثامن الملامح الموروثة : التصفية – وضع ايديولوجيا كاملة هي ايديولوجيّة المجزرة

لقد قامت الشيوعية بأشياء كثيرة بقسوةٍ مُطلقةٍ. لقد وعد الـح ش ص المُثقـفين بـ "جنّة على الأرض"، وفيما بعدُ، أطلق عليهم لقب "يمينيّين"، ووضعهم في الصنف التاسع من الأصناف الشائنة [11]، أصناف الناس المُضطهـِدين، إلى جانب أصحاب الأراضي والجواسيس. لقد حرم أصحاب الأراضي والرأسماليّين من أملاكهم، وأباد طبقة أصحاب الأملاك والفلاحين الأغنياء، وحطم الأنظمة الجمعيّة والنظام السائد في الأرياف، وانتزع السلطة من الشخصيّات المحلــّية، واختطف الأغنياء ورشاهم، وقام بغسل دماغ سُجناء الحرب، و"أصلح" الصناعيّين والرأسماليّين، وتسرّب داخل الـك م ت وفكـّـكهُ، وانفصل عن "العالمية الشيوعيّة" وخانها، وتخلــّص من كلّ المُنشقــّين عنه عبر حركات سياسية مُتعاقبة بعد حصوله على السلطة سنة 1949، وهدّد أعضاءه أنفسهم بتبنـّيه سياسة ضغط مُستمرّ. كلّ ما فعله الـح ش ص ، فعله دون أن يترك أيّ مجال للآخرين لكي يُسيّروا شيئًا مّا أو يتصرّفوا.

الوقائع المذكورة أعلاه كلــّها قد انبنت على نظريّة المجزرة عند الـح ش ص. كلّ حركة من حركاته السياسية في الماضي كانت حملة رُعب تحمل في طيّاتها نيّة إحداث مجزرة. لقد بدأ الـح ش ص في بناء نظريّة "المجزرة" في بداياتها بصفتها جُزءًا من نظريّاته الطبقـيّة، نظريّاته عن الثورة، والصراع، والعنف، والنظام الديكتاتوريّ، وعن الحركات السياسية والأحزاب السياسية. وهذه النظرية تشملُ كلّ التجارب التي قام بها وتراكمت لديه أثناء مختلف أعماله الإباديّة.

نظريّة الإبادة عند الح ش ص تتمثـل أساسًا في القضاء تمامًا على الوعي والتفكير الذاتـيّيْن. وبهذه الطريقة تخدمُ "سيادة الرعب" المصالح الحيويّة للح ش ص. لا فقط سيُدمّرك الح ش ص إن وقفتَ ضدّهُ، ولكنه يُمكن أن يُدمّركَ حتـّى وإن كـُنتَ حليفهُ أيضًا. إنه يُبيدُ أيّ شخص يرى من منظوره الخاصّ أنه يستحقّ الإبادة. ونتيجة لذلك، فإنّ كلّ شخص يعيش تحت سقـف الرعب ويخشى الح ش ص.

9- تاسع الملامح الموروثة : السيطرة – استعمال مبادئ الحزب لمُراقبة الحزب ككُـلّ وبالتالي استعمال باقي المجتمع

كلّ الملامح الموروثة تهدف إلى تحقيق غايةٍ واحدةٍ : السيطرة على الشعب بواسطة الرعب. لقد برهن الح ش ص، بواسطة أعماله الشيطانيّة، أنه العدوّ الطبيعيّ لكلّ القوى الاجتماعيّة الموجودة. منذ نشأته، واجه أزمة تـلو الأخرى، وأشدّها هي أزمة حياته أو موته. إنّ الح ش ص يعيش في حالة خوفٍ مُستديم ٍ من أجل بقاءه. هدفه الأوحد كان دائمًا الحفاظ على وجوده وسلطته – وهذا هو أعلى وأهمّ مكسب شخصيّ بالنسبة له. فـلِـيدْرَأ عن نفسه تدهور سلطته، كان عليه أن يكون شيطانيّا أكثر فأكثر. إنّ مصلحة الحزب ليست مصلحة أحد أعضاءه، أو مجموع مصالح شخصيّة، ولكن على الأحرى هي مصلحة الحزب بصفته كـَيَانـًا اجتماعيّا يعلو على كلّ طابع ٍ شخصيّ.

وقد كانت "طبيعة الحزب" أكثر خاصّيةٍ خبيثةٍ من بين خاصّيات هذا الشيطان. لقد اكتسحت طبيعة الحزب الطبيعة الإنسانيّة بصفة كلــّية إلى درجة أنّ الشّعب الصينيّ فـقد طبيعته الإنسانيّة. مثلاً "جو آنلاي" و "سون بينغوان" كانا رفيقيْن في وقت من الأوقات. وبعد موت سون بينغوان، تبنـّى جو آنلاي ابنتهُ "سون واييشي". وأثناء الثورة الثقافيّة، تمّ تأنيب سون واييشي. وفيما بعد ماتت في المُعتقـل نتيجة غرز مسمار طويل في رأسها. وقد كان جو آنلاي، أبوها المُتبنـّي، هو من وقــّع مُذكـّرة القبض عليها.

أحد رؤساء الح ش ص الأوائـل كان "ران بيشي"، وكان مُكلــّفـًا بعمليّات بيع الأفـيون أثناء الحرب ضدّ اليابان. في ذلك الوقت، كان الأفـيون رمزًا للغزو الأجنبيّ، وكان البريطانيّون يستعملون واردات الصين من الأفـيون لإثقال كاهل الاقتصاد الصينيّ وتحويل الصينيين إلى مُدمني مخدّرات. ورغم الإجماع الوطنيّ على كره الأفـيون والنفور منه، إلاّ أنّ ران، بسبب "حسّه الواعي بطبيعة الحزب"، تجرّأ على زرع الأفـيون على مساحات كبيرة، مُعرّضـًا نفسه للإدانة الجماعيّة. ونظرًا للطبيعة اللا- قانونية والحسّاسة لصفقات الأفـيون، كان الح ش ص يستعمل كلمة "صابون" كشفرة للدلالة على الأفـيون. كان الح ش ص يستعمل عائدات هذه التجارة السرّية - تجارة المخدّرات - مع البلدان المُجاورة، لكي يُموّل وجوده. في الذكرى المئويّة لميلاد ران، قام مُسيّر صينيّ من الجيل الجديد بالإثناء على الحسّ الحزبيّ المُرهف لدى ران بيشي، مُصرّحًا :"كان ران بيشي يملك طبيعة سامية، وكان عضوًا نموذجيّا في الحزب. وكان لديه أيضًا إيمان راسخ بالشيوعيّة وولاء لا حدود له لنـُصرة قضايا الحزب."

وكان "جانغ سيدو" مثالاً للشخص الذي له قدرات طيّبة لخدمة الحزب. وقد قال الحزب أنه قد قــُتـِلَ نتيجة انهيار مُفاجئ لأحد الأفران، ولكنّ آخرين صرّحوا أنه مات وهو بصدد إحراق الأفـيون. ونظرًا لكونه شخصًا كتومًا، وسبـق وأن عمل في فيلق الحرس المركزيّ، ولكونه لم يطلـُب أبدًا ترقية، فقد قيل :"إنّ موته أثـقـل علينا من جبل تايشان" [12]، أي أنّ حياته كانت غالية كثيرًا.

مثال آخر على طبيعة الحزب هو "لاي فانغ"، الذي كان يُدعى بـ "البرغيّ الذي لا يصدأ أبدًا والذي يشتغـل دَؤوبًا في المَكـَنَة الثوريّة". لفترةٍ طويلةٍ استـُعمـِلَ لاي و جانغ لتعليم الصينيين الولاء تجاه الحزب. قال ماوو تسي تونغ :"إنّ قوّة الأسوة ليس لها مثيل". شخصيّات كثيرة من شخصيّات الحزب البطوليّة كانت تـُستـَعمَلُ لصياغة "العزيمة الفولاذيّة ومبدأ روح الحزب".

عندما حصل الـح ش ص على السلطة، شنّ حملة عدوانيّة للسيطرة على العقول، بهدف تكوين "أدوات" و "لوالب" ضمن الأجيال المُتعاقبة. لقد كوّن الحزب جملة من "الأفكار الخصوصيّة" ومجموعة من السلوكيّات النموذجية. واستـُعمـِلتْ هذه القواعد والأنظمة في البداية داخل الحزب، ولكن سريعًا ما تمّ نشرها بين العموم. وكانت هذه الأفكار والأفعال - التي تختفي وراء قناع شعار الأمّة - تعملُ دَؤوبة ً على غسل دماغ الناس لكي ينضوُوا داخل آليّات الـح ش ص الشيطانيّة.

II. التأسيس المُخجل للـح ش ص

إنّ الـح ش ص يدّعي أنّ له تاريخًا مجيدًا، تاريـخ سلسلة من الانتصارات. هذه ليست سوى محاولة من الـح ش ص لتجميل صورته وتعظيمها في عيون الناس. في الواقع، ليس للـح ش ص أيّ مجدٍ يُمكن أن يفخَرَ به. إنه في نهاية الأمر لم يتمكـّن من تأسيس قواعد سلطته والحفاظ عليها سوى باستعمال الملامح التسعة الموروثة المذكورة آنفـًا.

1- تأسّس الـح ش ص – نشأته في حضن الاتحاد السوفييتي

"إنّ أوّل طلقةٍ مدفعيّةٍ في ثورة أكتوبر قد حملت لنا معها الماركسيّة-اللينينيّة". هذا هو الوصف الذي وصف به الـح ش ص نفسه للشعب. ومع ذلك، عندما تمّ تأسيس الحزب في البداية، لم يكـُن سوى الفرع الآسيويّ للاتحاد السوفييتي. منذ بدايته، كان حزبًا خائنـًا.

أثناء فترة تأسيس الحزب، لم يكـُن لديه مال، ولا ايديولوجيا، ولا أيّ أدنى تجربة. لم تكـُن لديه أيّ ركيزة تـُسندُ وجوده. لقد التحق الـح ش ص بالكوومينتارن لكي يـربط قدَرهُ بالثورة العنيفة التي كانت قائمة. ثورة الـح ش ص العنيفة لم تكـُن سوى سليلة ثورة ماركس و لينين. كان الكوومينتارن هو مركز القيادة للإطاحة بالسلطة السياسيّة في العالم أجمع ولم يكـُن الـح ش ص سوى فرعًا آسيويّا للشيوعيّة السوفييتية، خاضعًا لامبرياليّة الحرس الأحمر الروسيّ. لقد طبّـق الـح ش ص التجربة البولشيفيّة في الاستيلاء على السلطة عن طريق العنف وديكتاتوريّة البروليتاريا، كان على مستوى السياسة والايديولوجيا والتنظيم يسير على نسق الحزب الشيوعيّ السوفييتي. لقد سرق الـح ش ص الوسائل السرّية والمارقة عن القانون التي تـُمكـّن تنظيمًا خارجيّا ولا قانونيّا من البقاء حيّا، مُستعملاً المُراقبة ووسائل قصوى في السيطرة. لقد كان الاتحاد السوفييتي العمود الفقريّ للـح ش ص ومُعلــّمهُ.

إنّ المجلس التأسيسيّ للـح ش ص، والذي تمّ انتخابُهُ في المؤتمر الأوّل للـح ش ص، كان قد صـِـيـغَ من طرف الكوومينتارن وكان ينبني على الماركسيّة-اللينينيّة، وعلى نظريّات صراع الطبقات، وديكتاتوريّة البروليتاريا، وتكوين الحزب. ووفــّر المجلس التأسيسيّ للحزب السوفييتي قاعدته الأساسيّة. روح الـح ش ص تتمثـل في ايديولوجيا مُستوردة من الاتحاد السوفييتي. كان لـ "شان دوشيو"، أحد أهمّ موظفي الح ش ص، وجهات نظر مُخالفة لوجهات نظر "مارينغ"، ممثـل الكوومينتارن. فكتب مارينغ مُذكـّرة لشان مُصرّحًا أنه إن كان شان حقــّا عضوًا في الحزب الشيوعيّ، فعليه بالإذعان لأوامر الكوومينتارن. ورغم أنّ شان دوشيو كان أحد "آباء" الـح ش ص ومُؤسّسيه، إلاّ أنه لم يكـُن بوسعه فعـل شيءٍ سوى السمع وطاعة الأوامر. هو والحزب لم يكونا بالفعـل سوى أتباع للاتحاد السوفييتي.

أثناء المؤتمر الثالث للح ش ص في 1923، اعترف شان دوشيو عـَلـَنـًا أنّ الـح ش ص تـُؤمّن معاشهُ بصفة كلــّية تقريبًا نفقات الكوومينتارن. لقد جلب الكوومينتارن أكثر من  200.000 يوان في ظرف عام ٍ واحدٍ، ورغم ذلك فإنّ النتائج لم تكـُن مُرضية. وقد اتـّهم الكوومينتارن الـح ش ص بالتراخي وبأنه لا يبذل الجهد الكافي.

استنادًا لإحصائيّات غير تامّة مأخوذة من وثائق الحزب التي تمّ إعادة نشرها بين العموم، تلقــّى الـح ش ص 655 16 يوان صيني من شهر أكتوبر 1921 إلى يونيو 1922. وفي 1924، تلقــّى 1500 دولار أمريكيّ و 31.927 يوان، وفي 1927، تلقــّى 187.674 يوان. كانت المُساهمة الماليّة الشهريّة للكوومينتارن تـُقــَدّرُ بـ 20.000 يوان. إنّ الخطط التكتيكيّة التي يستعملها الـح ش ص اليوم، مثـل "اللوبيّة"، والخروج من الباب الخلفيّ، وإعطاء الرشوات، وممارسة التهديد ؛ كانت مُستـَعمَلة أيضًا في ذلك العهد. كان الكوومينتارن يلوم الـح ش ص على ممارسته الدائمة للـّوبيّة بهدف الحصول على المال.

"إنهم يستغلــّون مُختلف المُنظمات المُساعِدة (مكتب الاتـّصالات العالميّة، مُمثـلي الكوومينتارن، مُنظمات عسكريّة،...الخ) ليحصلوا على مُساعداتها الماليّة، لأنّ مُنظمة ً مّا لا تدري أنّ المُنظمة الأخرى قد سبـق وأن دفعت مُساعدة [...]. المُضحك في الأمر هو أنهم يفهمون نفسيّة رفقاءنا السوفييتيين بسرعة. وأهمّ من ذلك هو أنهم يعرفون كيف يتعاملون بصفة مختلفة مع الرفقاء المسؤولين عن توزيـع المُساعدات الماليّة. عندما يعلمون أنهم لن يحصلوا عليها عبر الطرق العاديّة، فهُم يُؤجّـلون الاجتماعات. وفي النهاية، يستعملون الطرق الأكثر قسوة ً للقيام بالابتزاز عن طريق التهديد، كأن يُروّجوا شائعة أنّ بعض موظفي القاعدة لديهم علاقات مع السوفييتيين وأنّ المال يُعطى لأغنياء الحرب بدلاً عن الـح ش ص." [13]

2- التحالف الأوّل بين الك م ت والـح ش ص – طفيليّ يتسرّب داخل بعثة الشمال ويُعرقلها [14]

طالما لقــّن الـح ش ص شعبه أنّ "شيانغ كاي- شك" قد خان حركة الثورة الوطنيّة [15]، ممّا أجبر الـح ش ص على شنّ ثورة مُسلــّحة.

في الحقيقة، الـح ش ص هو كائن طفيليّ وشيطان لا يعيش سوى من خلال التملــّـك بالآخرين. لقد عاضد الـك م ت في التحالف الأوّل بين الـك م ت والـح ش ص بغاية توسيـع نطاق تأثيره مُستغلاّ الثورة الوطنيّة. وبالإضافة إلى ذلك، كان الـح ش ص ينتظر بفارغ صبر شنّ ثورةٍ تكون مدعومة من السوفييتيين والاستيلاء على السلطة. إنّ جشعه على السلطة قد خان في الحقيقة حركة الثورة الوطنيّة ودمّرها.

أثناء المؤتمر الوطنيّ الثاني للـح ش ص، والذي أقيمَ في شهر يوليو 1922، سجّـل المُعارضون للتحالف مع الـك م ت حضورًا طاغيًا في المؤتمر، لأنّ أعضاء الحزب كانوا مُتـلهّفين على السلطة، ورغم ذلك أصدر الكوومينتارن فيتو مُعترضًا على القرار المُتـّخذ في المؤتمر وأمر الـح ش ص بالالتحاق بالـك م ت.

أثناء التحالف الأوّل بين الـك م ت والـح ش ص، أقام الـح ش ص مؤتمره الوطنيّ الرابع بشانغهاي في يناير 1925 وأثار قضيّة الزعامة في الصين قبل موت "سون يات- سن" [16] في 12 مارس 1925. ولو لم يكـُن قد مات، لكان قد تمّ استهدافه من قـِبَـل الـح ش ص عوض شيانغ كاي- شك، في سعيه وراء السلطة.

بمُساندة الاتحاد السوفييتي، استحوذ الـح ش ص بطريقة خبيثة على السلطة السياسيّة داخل الـك م ت أثناء تحالفه مع الـح ش ص. قد أصبـح "تان بينغشان" (1886-1956)، وهو أحد المُسيّرين الأوائل للـح ش ص في مقاطعة غوانغدونغ، أصبـح وزيرًا للقسم المركزيّ لأعوان الك م ت. "فانغ جوبو" (1899-1954) وهو أيضًا أحد المُسيّرين الأوائل للـح ش ص في مقاطعة غوانغدونغ)، أصبح كاتبًا عامّا لوزارة الشغل، وأصبحت له كامل الصلاحيّات للنظر في كلّ الشؤون المُتعلــّقة بالشغل. "لين جوهان" (أو لين بوكو، 1886-1960 أحد الأعضاء الأوائل للـح ش ص)، كان وزيرالشؤون الريفيّة، بينما كان "بانغ باي" (1896-1929، أحد مُسيّري الـح ش ص) الكاتب العامّ لهذه الوزارة. وكان ماوو تسي تونغ يقوم بدور وزير الدعاية في وزارة الدعاية التابعة للـك م ت. وكان الـح ش ص دائمًا يطمعُ في المدارس وفي الإدارة العسكريّة : فقد شغل جو آنلاي منصب مدير قسم السياسات في الأكاديميّة العسكريّة بهوانغبو (وهمبوا)، و "جانغ شاننو" (أو جانغ سونغنيان) 1893-1986، أحد مؤسّسي الـح ش ص وهو من قام بإدخال جو آنلاي)، كان المدير المُساعد في نفس الأكاديميّة. وكان جو آنلاي أيضًا رئيس شعبة قضاة الدفاع، وقد نصّب مُستشارين عسكريّين روس هنا وهناك. عديد الشيوعيّين كانوا يشغـَلون مناصب مُعلــّمين وسياسيّين وأساتذة جامعيّين في المدارس العسكريّة للـك م ت. بعض أعضاء الـح ش ص كانوا أيضًا يتولــّوْن مهمّة تمثيل حزب الـك م ت على مختلف المستويات في الجيش الثوريّ الوطنيّ [17]. وكان أيضًا من المُصَرّح به أنه بدون إمضاء ممثـل ٍ عن الحزب، لا يكون أيّ أمر ساري المفعول. وتـَبَعًا لهذا اللصوق الطفيليّ بحركة الثورة الوطنيّة، ازداد عدد أعضاء الـح ش ص بصفة جذريّة - من 1.000 في 1925 إلى 30.000 في 1928.

بدأت بعثة الشمال في فبراير 1926. ومع ذلك، من أكتوبر 1926 إلى شهر مارس 1927، شنّ الـح ش ص ثلاث حركات تمرّد مُسلـّحة بشانغهاي. وفيما بعدُ، هاجم الـح ش ص مجلس القيادة العسكريّ لبعثة الشمال ولكنه فشل. وكانت فرق الإضرابات العامّة تشتبكُ كلّ يوم ٍ في خصوماتٍ عنيفةٍ مع الشرطة. مثـل حركات العصيان هذه أدّت إلى تطهير الـح ش ص من طرف الـك م ت في 12 أبريل 1927 [18].

وفي شهر أغسطس 1927، قام أعضاء الـح ش ص داخل الجيش الثوريّ للـح ش ص بإشعال حركة تمرّد نانشانغ، والتي تمّ إخمادها بسرعة. وفي سبتمبر، أطلق الـح ش ص حركة العصيان المُسلــّح لحصاد الخريف لمُهاجمة شانغشا، وهذا الهجوم بدوره تمّ إخماده. وبدأ الـح ش ص في وضع شبكة مُراقبة تمّ من خلالها "خلقُ شُعَبٍ للحزب داخل الجيش على مستوى الفرق" وفـرّ باتـّجاه جهة جبل دجينغغانغشان في مقاطعة دجيانغسي [19]، واضعًا هنالك قواعد نفوذه على القرى.

3- حركة تمرّد قرويي هونان – تحريض حثالة المجتمع على الثورة

أثناء بعثة الشمال، أثار الـح ش ص حركات تمرّد وعصيان في المناطق الريفية، محاولة منه للاستيلاء على السلطة، في حين كان الجيش الثوري القومي يقف في مواجهة أغنياء الحرب.

حركة تمرّد قرويّي هونان في 1927 كانت ثورة حثالة المجتمع، ثورة السّوقة والرّعاع، مثـلما هو الحال في كومونة باريس الشهيرة (حكومة باريس الثوريّة) في 1871 – وهي الثورة الشيوعيّة الأولى. بعض الفرنسيّين والأجانب الذين كانوا آنذاك في باريس رأوْا عيانـًا أنّ كومونة باريس كانت في الواقع مكوّنة من مجموعة لصوص مُتسكـّعين وصعاليك مُخرّبين فاقدي كلّ أمل وطموح. كانوا يتنعّمون بالعيش في المباني الأنيقة والقصور الريفيّة وأكل الوجبات الفاخرة والباذخة، لم يكـُن شغلهم الشاغل سوى مُتعهم الوقـتيّة دون التفكير في المستقبل. أثناء ثورة كومونة باريس، منعوا الصّحافة، واختطفوا رئيس أساقفة باريس، "جورج دابوا" الذي كان يدعو لصالح الملك، ثمّ قـتلوه رميًا بالرصاص. وقـتلوا بقسوة 64 كاهنـًا من أجل مُتعتهم الشخصيّة، وأحرقوا قصورًا، وهدموا مكاتب حكوميّة ومساكن خاصّة، وآثارًا وأعمدة منحوتة. إنّ الجمال البديـع للعاصمة الفرنسيّة كان لا يُضاهَى في أوروبّا. ومع ذلك، أثناء ثورة كومونة باريس، حُوّلت المباني إلى رمادٍ والناس إلى هياكل عظميّة. إنّ مثـل تلك القسوة ومثـل تلك الفظاعة لأمرٌ يندُرُ حدوثه في التاريـخ.

ومثـلما كان ماوو تسي تونغ يعترف :

"صحيـح أنّ القرويّين "عنيفون" في القرى. السلطة العليا هي الجمعيّة القرويّة، وهي لا تترك المجال لصاحب الأملاك وتذرو هيبته. وهو ما يجعله يعضّ التراب ويظلّ على تلك الحال. القرويّون يُهدّدون :"سوف نضعكم على القائمة الأخرى (قائمة الرجعيّين) !" هم يفرضون غراماتٍ ماليّة على الطغاة المحلــّيين والطبقة النبيلة الفاسدة، ويطلبون منهم مساهماتٍ ماليّة ويهدمون عرشهم. يكتسح الناس منازل الطغاة المحلــّيين والنبلاء الفاسدين المُعارضين لتنظيم القرويّين، ويقـتلون خنازيرهم ويستهلكون حبوبهم، وحتـّى أنهم يتمدّدون بعض الدقائق على أسرّة العاج التي تملكها الزوجات الشابّات في بـيوت النبلاء والطغاة المحلــّيين الفاسدين. إنهم عند أدنى استفزاز يُوقـفون الناس، ويضعون على رأس الشخص الذي تمّ إيقافه قـبّعة كبيرة من ورق، ويطوفون به في القرية، قائلين :"أنتم، يا أصحاب الأملاك القذرين، الآن تعرفون من نحنُ !" فاعلين ما يحلو لهم وقالبين كلّ شيءٍ يعترض طريقهم، لقد خلقوا نوعًا من الرّعب في القرى." [2]

إلاّ أنّ ماوو كان يُؤيّد تأييدًا كاملاً مثل هذه الأعمال "العنيفة" قائلاً :

"للحديث بصراحة، من اللازم خلق الرّعب لفترةٍ مُعيّنةٍ من الزّمن في كلّ منطقةٍ ريفيّةٍ، وإلاّ فسيكون من المستحيل قمع أنشطة أعداء الثورة في القرى أو الإطاحة بسلطة النبلاء. الحدود المُتـّفق عليها يجب أن يتمّ تجاوزها لتصويب ما هو خطأ وسيّء، وإلاّ فما هو خطأ وسيّء لن يكون من الممكن تصويبه. [...] الكثير من أعمالهم في تلك الفترة الثوريّة، يُعتـَبَرُ أنها تذهبُ بعيدًا ومُشطـّة، ولكنها في الواقع هي ما تحتاجه الثورة بالتحديد." [2]

إنّ الثورة الشيوعيّة تخلق نظامًا من الرّعب.

4- العمليّة العسكريّة "ضدّ اليابان" نحو الشمال – سرقة المغلوبين

لقد وصف الـح ش ص العمليّة العسكريّة "ضدّ اليابان" باتـّجاه الشمال بـ "المسيرة الطويلة". لقد تفنـّن في الإشادة بـ "المسيرة الطويلة" على أنها حكاية ثوريّة صينيّة. لقد ادّعى أنّ "المسيرة الطويلة" كانت "بَيَانـًا"، "فريق دعايةٍ"، و "مـِذرّة ً"، وأنها انتهت بانتصار الـح ش ص وبهزيمة أعداءه.

الأكاذيب الواضحة للعيان التي ألــّفها الـح ش ص بخصوص السّير باتـّجاه الشمال لمحاربة اليابانيّين كانت تهدف إلى تغطية فشله وخيانته. من أكتوبر 1933 إلى يناير 1934، هُزِمَ الحزب هزيمة ذريعة. في العمليّة العسكريّة الخامسة للـك م ت، والهادفة إلى مُحاصرة الـح ش ص ومحقه، فـقدَ الـح ش ص مواقعه المُحصّنة في الأرياف واحدًا تـلو الآخر. وكانت قواعده الجهويّة تتراجعُ باستمرار، واضطرّ غالبيّة الجيش الأحمر إلى الفرار. ذلك هو الأصل الحقيقيّ لـ "المسيرة الطويلة".

كانت "المسيرة الطويلة" تهدف في الواقع إلى الخروج من الحصار والهروب إلى منغوليا الخارجيّة وإلى روسيا السوفييتية على امتداد قوس باتـّجاه الغرب أوّلاً ثمّ باتـّجاه الشمال. وعندما يصلُ إلى هنالك، سيكون بإمكان الـح ش ص أن يفـرّ إلى الاتحاد السوفييتي في حالة تعرّضه للهزيمة. لقد لاقى الـح ش ص صعوباتٍ كبيرة ً على الطريق إلى منغوليا الخارجيّة. لقد اختار رجاله أن يقطعوا شانسي وسوي يوان. من جهةٍ، كانوا عند سيْـرهم عبر هذه المقاطعات الشماليّة، يستطيعون أن يدّعوا أنهم "أعداء اليابانيّين" وهكذا يكسَبون قـلوب الناس. ومن جهةٍ أخرى، هذه المناطق لم تكن خطيرة إذ لا تـنتشرُ فيها أيّ فرقة يابانيّة. كانت الأرض التي يحتلــّها الجيش اليابانيّ تمتدّ على طول السّور العظيم. وإثر مرور سنةٍ على ذلك، عندما وصل الـح ش ص أخيرًا إلى شانباي (مقاطعة شماليّة من مقاطعات شانسي)، أضحت قوّة الجيش الأحمر المركزيّ التي كانت تعُدّ  80.000 رجلا ً لا تعُدّ سوى 6.000 رجلٍ.

5- حادثة سيآن – الـح ش ص ينضمّ مرّة أخرى إلى الـك م ت

في ديسمبر 1936، قام "جانغ سويليانغ" و "يانغ هوشانغ" - وهما قائدان من قوّاد الـك م ت - باختطاف شيانغ كاي- شك بـ "سيآن". ومنذ ذلك الحين تـُعرَفُ هذه الحادثة بـ "حادثة سيآن".

استنادًا للرواية المذكورة في الكتب المدرسيّة للـح ش ص، كانت حادثة سيآن "عمليّة عسكريّة" قادها جانغ ويانغ، واللذان وضعا أمام شيانغ كاي- شك خيار الحياة أو الموت. وقد كان مُجبَرًا على اتـّخاذ موقف ضدّ الاحتلال اليابانيّ. ويُروى أنّ جو آنلاي وقع استدعاؤه في سيآن بصفته ممثلاً عن الـح ش ص لكي يُساعد على التفاوض للوصول إلى قرار سلميّ. وبفضل مختلف المجموعات الصينيّة التي تدخـّـلت بصفتها وسيطة في الأمر، وقع فضّ الحادثة بطريقة سلميّة، وتمّ بهذا وضع حدّ لعشر سنين من الحرب الأهليّة، وانطلاق حلف وطنيّ مُوحّد ضدّ اليابانيّين. الكتب التاريخيّة للـح ش ص تقول أنّ هذه الحادثة كانت مُنعَرَجًا جذريّا وحاسمًا للصين في أزمتها. ويصف الـح ش ص نفسه بكونه الحزب المُحبّ للوطن، الذي يُراعي مصالح الأمّة جمعاء.

ولكنّ عددًا مُتزايدًا من الوثائق كشف أنّ العديد من جواسيس الـح ش ص سَبَـق وأن التفــّوا حول يانغ هوشانغ وجانغ سويليانغ قبل حادثة سيآن. وكمثال على ذلك، أحد الأعضاء الخـفيّين للـح ش ص، "ليو دينغ"، تمّ تقديمه إلى جانغ سويليانغ من طرف "سونغ شينغلينغ"، زوجة "سون يات- سن"، وهي شقيقة السيّدة شيانغ وعضوة في الحزب. وبعد حادثة سيآن، هنـّأه ماوو تسي تونغ :"لقد قام ليو دينغ بدوره بطريقة ممتازة في حادثة سيآن." وضمن أولئك الذين يعملون إلى جانب يانغ هوشانغ، كانت زوجته، "سي باووجن" عضوة ً في الحزب وكانت تعملُ في القسم السياسيّ للجيش. تزوّجت سي يانغ هوشانغ في يناير 1928 بموافقة الـح ش ص وتأييده. وزيادة على ذلك، "وانغ بينغنان"، عضو الـح ش ص، كان آنذاك يحُـلّ ضيف شرفٍ على يانغ. وقد أصبح وانغ فيما بعدُ نائب وزير في وزارة الشؤون الخارجيّة للـح ش ص. لقد كان هؤلاء الأعضاء، أعضاء الـح ش ص المتواجدين حول يانغ وجانغ هم من دبّروا هذه العمليّة مُباشرة ً.

بالفعـل، في بداية الحادثة، كان مُسيّروا الـح ش ص يريدون قـتل شيانغ كاي- شك وهكذا ينتـقمون من قمعه السابق للـح ش ص. في ذلك الوقت، كان للـح ش ص قاعدة ضعيفة جدّا في مقاطعة شانسي الشماليّة، وكان قد تعرّض لخطر أن يـقع القضاء عليه نهائيّا في معركة واحدة. لذلك استجمع الـح ش ص كلّ مؤهّلاته في فنّ الافتعال والكذب والخديعة، وأوعز لجانغ وليانغ بأن يتمرّدا. ولإبطال حركة اليابانيّين ولمنعهم من مهاجمة الاتحاد السوفييتي، كتب ستالين إلى اللجنة المركزيّة للـح ش ص طالبًا منهم ألاّ يقـتلوا شيانغ كاي- شك، وأن يتعاونوا معه مرّة أخرى. وأدرك ماوو تسي تونغ و جو آنلاي أنه ليس بمقدورهم تدمير الـك م ت بتلك القوّة المحدودة للـح ش ص، وأنهم حتـّى وإن قـتلوا شيانغ كاي- شك، فإنهم سيُهزَمون بل وسيتمّ إبادتهم ثأرًا وانتقامًا من طرف جيش الـك م ت. حيال هذه الظروف، غيّر الـح ش ص لهجته، فأجبر شيانغ كاي- شك على قبول التعاون والعمل المُشترك مرّة أخرى، باسم مقاومة موحّدة ضدّ اليابانيّين.

افتعل الـح ش ص أوّلاً ثورة ً عندما صوّب فوّهة البندقيّة نحو شيانغ كاي- شك، ولكنه سرعان ما تراجع، كما يفعل بطل على خشبة المسرح، وأرغمه من جديدٍ على قبول الـح ش ص. وبهذه الطريقة، لا فقط تفادى الـح ش ص أزمة موتٍ واندثار، بل واغتنم أيضًا الفرصة للانضمام إلى حكومة الـك م ت مرّة ثانية. ووقع تحويل الجيش الأحمر إلى جيش الطريق الثامن، وصار أكبر وأقوى ممّا كان عليه. ليس بوسعنا هنا سوى أن ننوّه بموهبة الـح ش منقطعة النظيـر في فنّ الخداع.

6- الحرب ضدّ اليابان – الـح ش ص ينمو ويزداد ممارسًا القتال بأسلحة مستعارة

في الواقع، عندما اندلعت الحرب ضدّ اليابان في 1937، كان الك م ت يملك ما يزيد على 1,7 مليون جندي مسلح، وسفن حمولة تتجاوز 110.000 طن، وما يقارب 600 طائرة قتال من مختلف الأصناف. مقارنة ً مع ذلك، كان الحجم الكلــّي لجيش الـح ش ص، بما في ذلك الجيش الجديد والجيش الرابع الذي كان قد تمّ تجميعه في نوفمبر 1937، لا يتجاوز 70.000 رجلاً. كانت قوّته لا تزال بعدُ منهكة بسبب السياسات التقسيمية الداخلية وكان من الممكن القضاء على تلك القوة في معركة واحدة. لقد أدرك الـح ش ص أنه إن كان عليه مواجهة اليابانيين في المعركة، فلن يكون قادرًا أن يغـلب حتـّى فرقة واحدة من الفرق اليابانية. بالنسبة للـح ش ص، النقطة الجوهرية في تركيزه وتكريسه للـ "وحدة الوطنية" كانت تدعيم سلطته هو أكثر منها إنقاذ حياة الأمّة. ونتيجة لذلك، أثناء عمله المشترك مع الـك م ت، مارس الـح ش ص سياسة داخلية "تعطي الأولوية للصراع من أجل السلطة السياسية، وهذا الصراع يجب أن يكون مُعلـَنـًا في الداخل ويتمّ تجسيمه في ممارسات فعلية."

بعد أن احتـلّ اليابانيون مدينة شانيانغ في 18 سبتمبر 1931، باسطين سيطرتهم على رقعة أوسع فأوسع من مناطق الصين الشمالية، حارب الـح ش ص يكاد يكون جنبًا إلى جنبٍ مع المحتـلّ الياباني للتغـلــّب على الـك م ت. في تصريـح كـُتـِبَ ردّا على الاحتلال الياباني، حرّض الـح ش ص سكـّان المنطقة التي يسيطر عليها الـك م ت على التمرّد، داعيًا "العمّال إلى الإضراب، والفلاّحين إلى اختلاق مشاكل، والطلاّب إلى مقاطعة الدروس، والفقراء إلى التوقف عن العمل، والجنود إلى الثورة" بهدف الإطاحة بالحكومة الوطنية.

رغم أنه كان يحمل كشعار لافتة تدعو إلى مقاومة اليابانيين، إلاّ أنّ الـح ش ص لم يكن يملك سوى أسلحة محلــّية وقوات تقوم بحرب عصابات في معسكرات بعيدة عن خطوط الجبهة. باستثناء عددٍ من المعارك، بما فيها تلك التي وقعت في الممرّ الجبلي بـ "بينغسينغ"، لم يُساهم الـح ش ص كثيرًا في الحرب ضدّ اليابانيين. وعوضًا عن ذلك، كانوا يصرف طاقته في توسيـع قاعدته الشخصية. وعندما استسلم اليابانيون، أدخل الـح ش ص في جيشه الجنود الذين كانوا يستسلمون، زاعمًا أنه قد وسّع قاعدة الجيش إلى 90.000 ألف جندي نظاميّ ومليونيْ جندي احتياطيّ. لقد كان جيش الـك م ت بالأساس بمفرده على خطوط الجبهة محاربًا اليابانيين، وقد فقد 200 جنرالاً في الحرب. أمّا قوّاد الوحدة العسكرية عند الـح ش ص فيمكن القول أنهم لم يتكبّدوا خسائر. ومع ذلك فإنّ كـُتب الـح ش ص كانت دائمًا تدّعي أنّ الـك م ت لم يقاوم اليابانيين، وأنّ الـح ش ص هو من قاد معركة النصرالكبير في الحرب ضدّ اليابان.

7- إصلاح يانآن – خلق طرق الاضطهاد الأكثر رعبًا

لقد جذب الـح ش ص عددًا ضخمًا من الوطنيين الشبان في يانآن باسم محاربة اليابانيين، ولكنه إثر ذلك اضطهد الآلاف منهم أثناء حركة "الإصلاح" في يانآن. وبعد أن أمسك بزمام النفوذ على الصين، واصل الـح ش ص تصويـر يانآن على أنها "الأرض الثورية المقدسة"، ولكنه لم ينبس ببنت شفةٍ عن الجرائم التي ارتكبها أثناء "الإصلاح".

كانت حركة "الإصلاح" في يانآن هي أكبرلعبة من ألعاب السلطة وأقـتمها وأكثرها ضراوة في العالم الإنساني. فـبذريعة تطهير طبقة البورجوازيين الصغار من سمومها، قضى الحزب على الأخلاق، وعلى استقلالية التـفكير، وعلى حرّية التصرف، وعلى التسامح وعلى الكرامة. كانت المرحلة الأولى في "الإصلاح" هي تكوين ملفّ أرشيف شخصيّ لكلّ فرد، وهذا الأرشيف يضمّ :

"1- تصريـح شخصيّ

 2- تاريـخ الحياة السياسية للشخص

 3- تاريـخ العائلة والعلاقات الاجتماعية

 4- ترجمة شخصية والتغيّـر الايديولوجي

 5- التقييم بناءًا على طبيعة الحزب"

في الأرشيف الشخصي، كان يجب على الفرد إعطاء قائمة في كلّ من يعرفهم، وفي كلّ الأحداث المهمّة التي وقعت له منذ الولادة، وأن يذكر الزمان والمكان الذي وقعت فيه. كانوا يطلبون من الناس أن يكتبوا في الأرشيف عدّة مرّات، وكانوا يقولون لهم أنّ عدم ذكر شيءٍ مّا سيُؤخـَذ على أنه علامة من علامات الدنس وعدم النقاوة. كان يجب على الفرد وصف كلّ الأنشطة الاجتماعية التي شارك فيها، وخصوصًا تلك المرتبطة بانتماءه للحزب. كان يتمّ وضع الثـقـل على المسار الذي يتـّبعه فكر الشخص أثناء هذه الأنشطة الاجتماعية. وأهمّ من ذلك كان التقييم المبنيّ على طبيعة الحزب، كان على الشخص أن يعترف بكلّ فكرة أو سلوك مضادّيْن للحزب في وعيه، وفي أقواله، وفي تصرّفه في العمل وفي الحياة اليومية أو الأنشطة الاجتماعية. في مراجعة المرء لنفسه بإمعان، كان المطلوب منه أن يتفحّص ما إذا كان منشغلاً بمصلحته الشخصية، ما إذا كان قد استغلّ عمله في خدمة الحزب لبلوغ أهداف شخصية، ما إذا كانت ثـقته في المستقبل الثوري قد خَـبَتْ نوعًا مّا أوتراجعت، ما إذا كان قد خشي الموت أثناء المعارك، وما إذا كان قد اشتاق إلى أفراد عائلته وزوجته. لم تكن هناك أجوبة موحّدة ثابتة، إذ ًا فكلّ شخص تقريبًا كان يمكن اتـّهامه بأنه يشكو من مشكل مّا.

كانوا يستعملون القسر والإكراه ليعتصروا "اعترافات" من الإطارات الذين كانوا يشكـّون فيهم وذلك بهدف القضاء على "الخونة المختبئين". وقد أدّى هذا إلى مؤامرات لا تحصى ولا تعدّ، إلى اتـّهامات صحيحة وباطلة، وتمّ قـتل عددٍ كبير من الإطارات. أثناء "الإصلاح"، كانوا يُسمّون يانآن "موضعًا فيه يتمّ تطهير الطبيعة البشرية". ودخل فريـق من فرق العمل إلى جامعة الشؤون العسكرية والسياسية ليتمعّن في السّيَـر الذاتية للإطارات، مسبّبًا شهريْن من الرعب والدم. تمّ اللجوء إلى مختلف الوسائـل لاعتصار الاعترافات، لقد أمروا الناس أن يعترفوا وبيّنوا لهم كيف يعترفون. كانت تحدث هناك أشياء مثـل "الإقناع الجماعيّ"، "الإقناع في خمس دقائق"، "المجلس الخصوصيّ"، "تقارير عن المحادثات والاجتماعات"، و "تعريف الفجل (أحمر من الخارج وأبيض من الداخل)". كان هناك أيضًا "التقاط صور" يكون فيها الجميـع مصطفــّين صفـّا واحدًا على المصطبة ليخضعوا للامتحان. أولئك الذين كانوا يبدون عصبيين كانوا يُصنـّفون على أنهم مشكوك فيهم وكان يتمّ إجراء بحثٍ بشأنهم.

حتـّى مُمثـلون عن الكوومينتارن عبّروا عن نفورهم إزاء الوسائل المستعملة أثناء الإصلاح وقالوا أنّ الوضعية في يانآن مُحبطة. كان الناس لا يجرؤون على ربط علاقات مع بعضهم البعض. كان كلّ شخص يعمل من أجل مصلحته الشخصية وكان الكلّ عصبيّا ومُرتاعًا. لا أحد كان يجرؤ على قول الحقيقة أو على حماية الأصدقاء الذين عُومِلوا معاملة سيّـئة، لأنّ كلّ شخص كان يسعى للحفاظ على حياته. الفاسدون، أولئك الذين يتملــّـقون، ويكذبون، ويُهينون الآخرين، كان يتمّ ترقيتهم ؛ في يانآن، أصبحت الإهانة خبزًا يوميّا - إن كان ذلك إهانة الشخص لرفقاءه أو إهانته لنفسه. كان يتمّ دفع الناس إلى مصاف الجنون، بعد أن تمّ إجبارهم على ترك الكرامة والشرف والحياء والمحبة المُتبادلة، سعيًا إلى النجاة بحياتهم والحفاظ على مركزهم المهنيّ. فلم يعبّروا بعدها عن آرائهم الخاصة، وبدلاً عن ذلك كانوا يحفظون ويردّدون مقالات مسيّري الحزب.

وقد تمّ استعمال نفس نظام القمع هذا في كلّ الأنشطة السياسية للـح ش ص منذ استحواذه على السلطة في الصين.

8- ثلاث سنوات من الحرب الأهلية – خيانة الوطن للحصول على السلطة

كانت الثورة البورجوازية الروسية في فبراير 1917 انتفاضة صغيرة نسبيّا. كان القيصر يضع مصالح البلاد في المرتبة الأولى وتخلــّى بنفسه عن العرش بدل أن يقاوم. وعاد لينين من ألمانيا إلى روسيا بسرعة، ودبّـر انقلابًا آخر وقـتل ثوريّي الطبقة الرأسمالية الذين أطاحوا بالقيصر، وهكذا فقد لوى عنق الثورة البورجوازية الروسية. الـح ش ص، مثـله مثـل لينين، قطف هو الآخر ثمار الثورة الوطنية. بعد انتهاء الحرب ضدّ اليابان، شنّ الـح ش ص "حرب تحريـر" مزعومة (1946-1949) لكي يُطيـح بحكومة الـك م ت، جالبًا على الصين شؤم الحرب مرّة أخرى.

إنّ الـح ش ص شهير بـ "استراتيجيّة الجماهير الكبيرة" لديه : التضحية بعددٍ كبير من الأفراد إذ يُصابون أو يُقتـَلون في سبيل الانتصار في معركة. في عديد المعارك مع الـك م ت، بما فيها تلك التي شنـّوها في لياووسي- شانيانغ، بيكين- تيانجين وهواي- هاي [20]، استعمل الـح ش ص تـقنيات بدائية، همجية ووحشية، ولاإنسانية، تتمثـل في تضحية الدولة بعددٍ كبير من أفراد شعبها. في حصاره على مدينة شانغشون في مقاطعة جيلين في الشمال الشرقي للصين، وبهدف استنفاذ المدّخرات الغذائية للمدينة، كان على جيش تحريرالشعب (ج ت ش) أن ينفذ أوامر تتمثـل في منع المدنيين من مغادرة المدينة. أثناء الشهريْن الذيْن استغرقهما الحصار على شانغشون، مات قرابة 200.000 شخص بردًا وجوعًا. ولكن الـح ش ص لم يتركهم يغادرون. وعندما انتهت المعركة، ادّعى الـح ش ص، بكلّ وقاحة، أنه قد "حرّر شانغشون دون أن يطلق رصاصة واحدة".

من 1947 إلى 1948، أمضى الـح ش ص على "معاهدة هاربين" و "معاهدة موسكو" مع الاتحاد السوفييتي، متنازلاً عن الممتلكات الوطنية وموزعًا موارد الشمال الشرقي مقابل الدعم الكامل من طرف الاتحاد السوفييتي في العلاقات الخارجية والشؤون العسكرية. حسب الاتفاقيات، من المفترض أن يمدّ الاتحاد السوفييتي الـح ش ص بـ 50 طائرة، وأن يعطيه - على دفعتيْن - أسلحة اليابانيين الذين استسلموا للعدالة، وأن يبيعه بسعـر منخفض العتاد الحربي والأدوات العسكرية تحت رقابة سوفييتية في الشمال الشرقي للصين. فإذا شنّ الـك م ت عملية برمائية واحتـلّ الشاطئ في الشمال الشرقي، يُفتـَرضُ أن يدعم الاتحاد السوفييتي جيش الـح ش ص سرّا. وزيادة على ذلك، يُفتـَرضُ أن يساعد الاتحاد السوفييتي الـح ش ص على المسك بزمام النفوذ على سيندجيانغ في الشمال الشرقي للصين، وأن يكوّن الـح ش ص والاتحاد السوفييتي قوات جوّية حليفة، وأن يساعد السوفييتيون على تجهيز 11 فرقة من جيش الـح ش ص، وأن ينقل ثـلث أسلحته التي زوّدته بها الولايات المتحدة (بما قيمته 13 مليار دولار) إلى الشمال الشرقي للصين.

للحصول على المساندة السوفييتية، وعد الـح ش ص الاتحاد السوفياتي بامتيازات في التنقـل في الشمال الشرقي، برّا وجوّا، وزوّد الاتحاد السوفييتي بمعلومات عن تحرّكات حكومة الـك م ت وعن الجيش الأمريكي في نفس الوقت، وزوّد الاتحاد السوفييتي بمنتوجات قادمة من الشمال الشرقي (قطن، فاصوليا السوجا) وبالأدوات العسكرية في مقابل أسلحة متطوّرة، ومنح الاتحاد السوفييتي حقوقـًا منجميّة تمييزية في الصين، وسمح لجيوش الاتحاد السوفييتي بالتوقف في الشمال الشرقي والسيندجيانغ، وسمح للسوفييتيين بتأسيس مكتب مخابرات الشرق الأقصى في الصين. وإن اندلعت حرب في أوروبا، يُفتـَرضُ أن يُرسل الـح ش ص حملة عسكرية ذات 100.000 رجلاً، إضافة إلى 20 مليون عاملاً لمساندة الاتحاد السوفييتي. وزيادة على ذلك، كان الـح ش ص يعِدُ بضمّ بعض المناطق الخاصة : مقاطعة لياوونينغ ومقاطعة آندونغ - إن اقتضى الأمر - مع كوريا الشمالية.

III. تجلـّي ملامح الفساد

1- خوف متواصل يطبـع مراحل تاريـخ الحزب

الخاصّية الأكثر بروزًا من خاصّيات الـح ش ص هو خوفه المستمرّ. البقاء على قيد الحياة ظلّ دائمًا محور الاهتمام الجوهري بالنسبة للـح ش ص منذ أن خـُلق. وقد نجح محور الاهتمام هذا في تجاوز الخوف الذي يكمن وراء صورته الخارجية، المتغيّرة باستمرار. إنّ الـح ش ص هو مثـل خـليّة سرطانية آخذة في الانتشار والتسرّب إلى كلّ جزءٍ من الجسم، مُسبّبة ً موت الخلايا الطبيعية ومُتيحة ً المجال لتكاثر الخلايا الخبيثة. في هذه الدورة التاريخية من تاريخنا المعاصر، لا يستطيع المجتمع أن يقضي على قوّة كهذه، قوّة طفرت مثـل الـح ش ص، ولا يملك المجتمع من حلّ سوى أن يتركها تنمو وتتنامى كما تشاء. لقد مرّت هذه القوّة بطفرة قويّة جدّا، قويّة إلى درجة أن لا شيء يقع داخل محيط توسّعها بإمكانه أن يوقفها. وبالتالي فإنّ جزءًا كبيرًا من المجتمع صار ملوّثـًا، ومناطق شاسعة تمّ اكتساحها من طرف الشيوعية أو عناصر شيوعية. هذه العناصر مُدَعّمة ومُستغلـّة من طرف الـح ش ص، وقد جعلت الأخلاق والمجتمع البشري ينحطان ويتدهوران من أساسهما.

لا يؤمن الـح ش ص بأيّ مبدأ أخلاقي أو مبدأ عدالة مثـلما هو سائد ومُتعارف بين الناس. كلّ مبادئه يوظفها بصفة كلــّية لصالحه. إنه أنانيّ بالأساس، وليس هناك مبادئ من شأنها أن تحدّ من رغباته أو تسيطر عليها. وهو يحتاج إلى أن يغيّـر - على قاعدة مبادئه الشخصية - بصفةٍ متواصلةٍ مظهره الخارجي، مثـل ثعبان يكتسي جلدًا بعد آخر. أثناء الفترة الأولى، عندما كان بقاءه على قيد الحياة في الميزان، التصق بالحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، بالك م ت، بالهيئة المديرة للك م ت، وبالثورة الوطنية. وبعد أن استحوذ على السلطة، التصق بمختلف أشكال الانتهازية، بنفوس المواطنين ومشاعرهم، بالبُنى والأدوات الاجتماعية، وبكلّ شيءٍ أمكن له أن يضع عليه يده. لقد استعمل كلّ أزمةٍ كفرصةٍ لتحصيل المزيد من النفوذ وتدعيم وسائـل سيطرته.

2- الشرّ هو "السلاح السحري" الذي استـُعمِل لتأسيس الـح ش ص

يدّعي الـح ش ص أنّ النصر الثوري يتوقف على ثلاثة "أسلحة سحريّة" : تأسيس الحزب، القتال المسلــّح، والجبهة الموحّدة. التجربة مع الك م ت منحت الـح ش ص "سلاحيْن" آخريْن من نفس النوع : الدعاية والجوسسة. مختلف "الأسلحة السحرية" للحزب كلها مُستوحاة من الملامح التسعة الموروثة للحزب : الشرّ، الكذب، الاستفزاز، تمرّد حثالة المجتمع، الجوسسة، النهب، الصراع، التصفية، والسيطرة.

 الماركسية-اللينينية شيطانية بطبعها. ومن سخرية الأقدار أنّ الشيوعيين الصينيين لا يفهمون جيّدًا الماركسية-اللينينية. قال لين بياو [21] أنّ هناك عددًا قليلاً جدّا من أعضاء الـح ش ص قد قرأوا فعلاً أعمال ماركس أو لينين. في نظر العامّة، كان تشو تشيو باي [22] ايديولوجيّا، ولكنه كان يعترف بأنه لم يقرأ سوى القـليل القـليل عن الماركسية-اللينينية. ايديولوجية ماوو تسي تونغ هي نسخة ريفيّة من الماركسية-اللينينية تدعو إلى تمرّد الفلاحين. ونظرية دانغ سياوبينغ في المرحلة البدائية للاشتراكية تـنضوي تحت عنوان : رأسمالية. "التمثيلات الثلاث" [23] لجيانغ زمين تمّ جمعها انطلاقـًا من لا شيء. لم يفهم الـح ش ص أبدًا الماركسية-اللينينية حقــّا، بل ورث بعض النواحي الشرّيرة أسّس على قاعدتها أشياءه الخاصّة التي هي أكثر شرّا.

الجبهة الموحّدة للـح ش ص هي ظرف مُكوّن من الخـُدع والرشاوي على مدًى قصير. كان الهدف من هذا الاتحاد هو ترسيـخ سيادته ومساعدته لينمو من عُصبة ضيّقة منعزلة إلى عُصبة ضخمة، وتحويـل مجموعة أصدقاءه إلى مجموعة أعداءٍ له. كان الاتـّحاد يحتاج إلى التمييز، فكان يُحدّد من هم الأعداء ومن هم الأصدقاء، ومن على اليسار، على الوسط، وعلى اليمين، ومع من ومتى يجب أن يـربط علاقة صداقة، ومن يجب أن تتمّ مهاجمته ومتى. كان يُحوّل بسهولة أعداء قدماء إلى أصدقاء ثمّ إلى أعداء من جديدٍ. مثلاً، أثناء فترة الثورة الديموقراطية، تحالف الحزب مع الرأسماليين، وأثناء الثورة الاشتراكية، قام بتصفية الرأسماليين. ولـْـنتأمّـل مثالاً آخر : تمّ استعمال مسيّري أحزاب ديموقراطية أخرى مثـل جانغ بوجون [24] ولوو لونغدجي [25] - أحد مؤسّسي "الرابطة الديموقراطية للصين" - كمدافعين ومنافحين عن الـح ش ص أثناء فترة استحواذه على السلطة، ولكن فيما بعد تمّ اضطهادهم بصفتهم "يمينيين".

3- الـح ش ص عصابة دنيئة ومُحترفة

استعمل الح ش ص استراتيجيات ذات جانبين : جانب ليـّن ومرن، والجانب الآخر قاسي وصعب. استراتيجياته اللينة تضمّ الدعاية، الجبهات الموحّدة، بثّ الفتنة والخلافات، الجوسسة، تنظيم حركات التمرّد، الرياء والنفاق، التسرّب والتغلغل داخل نفوس الناس، غسل الدماغ، الكذب والخداع، إخفاء الحقيقة، الانتهاك النفسي، خلق جوّ من الرعب. بصنعه لكلّ هذا، يخـلق الـح ش ص مرض الخوف في قـلوب الناس، الأمر الذي يجعلهم ينسوْن بسهولة مساوئ الحزب. مجموعة الوسائـل هذه تمكـّنت من كبت الطبيعة الإنسانية ومن خلق جوّ ملائم للعدوانية عند الإنسان. الاستراتيجيات القاسية تضمّ العنف، الصراع المسلــّح، الاضطهاد، الحركات الساسية، قـتل شهود العيان، الاختطاف، تصفية الأصوات المعارضة، الهجومات المسلحة، الاضطهادات الدورية، الخ. هذه الوسائـل تخـلق الرعب وتـُثيره.

يستعمل الـح ش ص الوسائل اللينة والقاسية في الآن نفسه. هذه الوسائـل يُمكن أن تكون مُتسامحة في حالاتٍ، ومُتشدّدة في حالاتٍ أخرى، أو أنها قد تظهر مُتسامحة من الخارج ولكنها قاسية في أعماقها. في جوّ منبسط، شجّع الـح ش ص الناس على التعبيـر عن مختلف الآراء، ولكن كمَثــَل الثعبان الذي يـقع إغراءه بهدف استدراجه خارج الجحر، فإنّ أولئك الذين تكلــّموا بصراحة كان يـقع اضطهادهم في الفترة الموالية - فترة الرقابة الصارمة. كثيرًا ما استعمل الـح ش ص الديموقراطية ليتحدّى الـك م ت، ولكن عندما كان يوجد هناك - في المناطق التي يسيطر عليها الـح ش ص - مثقـفون لا يتـّفقون مع الحزب، كان يتمّ تعذيبهم أو حتـّى قطع رؤوسهم. مثلاً "حادثة السوسن البرّي" الشنيعة، وهي أنّ المثقـف وانغ شيويـز (1906-1947) الذي كتب مقال "السوسن البرّي" مُعبّرًا فيه عن مثـله الأعلى في المساواة والديموقراطية والإنسانية، تمّت "تصفيته" أثناء حركة إصلاح يانآن وتمّ إعدامه بالفأس من طرف الـح ش ص في 1947.

أحد الأعيان القدماء ممّن تعذبوا من قلاقل حركة "الإصلاح" بيانآن يتذكـّر أنه عندما كان يتمّ وضعه تحت ضغط شديد وإرغامه على أن يعترف، الأمر الوحيد الذي كان يستطيع فعله حينها هو أن يخدع ضميره ويختلق أكاذيب. كان يُحسّ داخليّا بالاستياء لتوريط رفقاءه واتـّهامهم لأوّل مرّةٍ. وكره نفسه إلى درجة أنه أراد وضع حدّ لحياته. وبالصدفة، كانت هناك بندقية قد وُضِعت على الطاولة، فأخذها ووجّه الفوّهة نحو صدغه وضغط على الزناد. ولكن البندقية كانت غير مُعبّأة. ثمّ دخل الشخص الذي كان يستجوبه وقال :"إنه لأمر جيّد كونك تعترف بأنك قد ارتكبت شيئـًا سيّئـًا. سياسات الحزب رحيمة. الحزب الشيوعي يعرف أنك بلغت الحدّ الأقصى، ويعرف "ولاءك" تجاه الحزب، إذ ًا فقد اجتزت الاختبار بنجاح." يدفع الـح ش ص الناس إلى فخاخ قاتلة ؛ ثمّ يستمتع بمرأى عذابهم ومذلــّـتهم. وعندما يبلغون الحدّ الأقصى ولا يعودون يتمنـّوْن سوى الموت، يرتدي الحزب رداء الطيبة ويهَبُهم فرصة حياةٍ أخرى. هناك مَثـل يقول "جبان حيّ أفضل من بطل ميّت". فيصيرون مُمتـنــّين نحو الحزب كما لو كان هو مُخلــّصهم. وبعد مُضيّ سنواتٍ من ذلك، سمع ذلك الموظف في هونغ كونغ عن الفالون غونغ : طريقة تشيكونغ ووسيلة تهذيب للجسم والروح، قد انبثـقت في الصين. كان يُدرك أنّ طريقة الممارسة هذه طيّبة، ولكن عندما بدأ اضطهاد الفالون غونغ، عادت إليه ذكريات الماضي المؤلمة ولم يجرؤ بعدئذٍ على قول أنّ فالون غونغ طيّب.

تجربة آخر امبراطور بو يي [26] كانت مماثـلة لتجربة هذا الموظف. فقد حبسه الـح ش ص في زنزانة، وعندما رأى أشخاصًا آخرين يُقـتـَلون، فكـّر أنه لن يمرّ وقت طويل قبل أن يأتي عليه الدور هو أيضًا. وللبقاء على قيد الحياة، قبــِل بالمذهبة وتعاون مع حرّاس السجن. وفيما بعد كتب قصّة حياته :"الشطر الأول من حياتي"، وقد استعمل الـح ش ص هذا الكتاب كنموذج لإعادة التطويـع الايديولوجي.

حسب دراسات طبّية معاصرة، عدد كبير من ضحايا الضغط الشديد والانعزال تنمو لديهم تبعيّة غيـر طبيعية تجاه غاصبـيهم، ويُعرَف هذا المرض باسم مرض ستوكهولم. وتـَبعًا لذلك، تصير أمزجة الشخص، سعادته أو غضبه، فرحته أو حزنه، يُمليها عليه غاصبه (أو جلاده). وأدنى هبةٍ أو معروفٍ تتقـبّـلهما الضحية بامتنان عميـق. هناك حتـّى حالات ينشأ فيها لدى الضحايا "حبّ" غاصبـيهم. وقد استعمل الـح ش ص منذ وقتٍ طويل هذه الظاهرة السيكولوجيّة بنجاح ضدّ أعداءه وللسيطرة على نفوس المواطنين.

4- الحزب الشيوعي هو الأشدّ إيذاءًا

الأمناء العامّون العشرة الأوائل للـح ش ص تمّ تـلقيـبهم بلقب "أعداء الشيوعية". يبدو من الواضح أنّ الـح ش ص لديه حياته الخاصّة وكيانه المستقـلّ. الحزب هو الذي يُقرّر مصير مسيّريه وليس العكس. في "المناطق السوفييتية" من مقاطعة دجيانغتسي، عندما كان الـح ش ص مُحاصَرًا من طرف الك م ت وكان يُصارع من أجل العيش، حتـّى في ذلك الظرف لم يتورّع عن القيام بعمليّات تطهيـر داخليّ، باسم مكافحة "الأقسام المعادية للبولشيفية"، حيث يُعدم جنوده ليلاً أو يقـتلهم رجمًا بالحجارة لادّخار الرصاص. في المقاطعة الشمالية لشآنسي، ألفى الـح ش ص نفسه في مأزق بين المطرقة والسندان : اليابانيين من جهةٍ والك م ت من جهةٍ أخرى، فشنّ حركة إصلاح يانآن، حركة تطهير جماعيّ، قاتلاً كثيرًا من الأبرياء. هذا النوع من المجازر المتكرّرة، والمُقامة على نطاق واسع، لم يمنع الـح ش ص من توسيـع نطاق تأثيره حتـّى انتهى به الأمر إلى أن يحكم شبه القارّة الصينية. وانطلاقـًا من تلك الرقعة السوفييتية الصغيرة، عمّمَ نموذج القـتل ذاك على كلّ الصين.

إنّ الح ش ص أشبه ما يكون بالورم الخبيث. أثناء تناميه المتزايد، ورغم أنّ نواة الورم مُتحجّرة، إلاّ أنّ مساحة محيطها تنمو وتنتشر دائمًا في الجزء المُعافى من الجسم. وعندما يتمّ اكتساح هذا الجزء فإنه يُكوّن بدوره ورمًا آخر. مهما يكن الشخص جيّدًا أو سيّئـًا في البداية، هذا لا يهمّ، حالما يلتحق بالـح ش ص، يصير جزءًا من قوّته المدمّرة، وكلــّما كان الشخص نزيهًا وجدّيًا، كلــّما كانت هذه القوّة أكبر. طبعًا هذا الورم الذي هو الـح ش ص سيستمرّ في النموّ إلى أن لا يبقى له شيء يتغذى عليه. وبعد ذلك سيموت الورم بالتأكيد.

شان دوشيو، مؤسّس الـح ش ص كان مثقـفـًا وأحد زعماء الحركة الطلابية في 4 مايو. لم يكن يحبّ العنف، وقد حذر أعضاء الـح ش ص من مغبّة أن يحاولوا إقناع الك م ت بالايديولوجيات الشيوعية أو أن يُبدوا اهتمامًا كبيرًا بالسلطة، قائلاً لهم أنهم إذا فعلوا فإنّ ذلك سيقود بالتأكيد إلى توتـّر العلاقات. كان شان من أنشط العناصر في جـيل 4 مايو، وكان مُتسامحًا وحليمًا، ولكنه كان من بين الأوائل الذين تمّ نعتهم بـ "انتهازيّي الجناح الأيمن".

تشو تشيو باي كان مُسيّرًا آخر من مُسيّري الـح ش ص، وكان يعتقد أنّ على أعضاء الـح ش ص أن يدخلوا في معارك، وينظموا حركات تمرّد، وأن يُطيحوا بالسلطات في جميع المستويات ويستعملوا وسائـل تدمير قصوى لكي يعود المجتمع الصيني إلى سيرورته العاديّة. ومع ذلك، قبل موته، كان منه هذا الاعتراف :"أنا لا أريد أن أموت كثوريّ. لقد فارقت حركتـكم منذ وقت طويل. لقد لعب بي التاريـخ، وقاد قدميّ، أنا المثقـف، إلى الساحة السياسية – ساحة الثورة، وتركني هناك لمدّة أعوام كثيرة. وفي النهاية، أنا لم أتمكـّن بعد من التغلـّب على أفكاري الارستقراطية الإقطاعية. على كلّ حال، لا أستطيـع أن أكون مُحاربًا من طبقة البروليتاريا." [27]

مُسيّر الـح ش ص وانغ هينغ، وبإشراف مجلس من الكوومينتارن، أيّد فكرة إقامة وحدةٍ مع الك م ت في الحرب ضدّ اليابان، بدل فكرة توسيـع قاعدة الـح ش ص. في اجتماعات الـح ش ص، لم يُفلح ماوو تسي تونغ وجانغ وانتيان [28] في إقناع رفيقهم، ولم يكشفا له كذلك حقيقة وضعيّـتهم ؛ مع الموارد المحدودة للجيش الأحمر، لم يكـُن باستطاعتهم ردّ حتـّى فصيلة واحدة من فصائل اليابانيين. لو كان الـح ش ص قرّر النضال، إذ ًا فتاريـخ الصين كان يكون مختلفـًا بالتأكيد. ووجد ماوو تسي تونغ نفسه مُرغـَمًا على البقاء صامتـًا أثناء الاجتماعات. وفيما بعدُ، كان وانغ مينغ الأوّل الذي وقع طرده بسبب حياده عن "الجناح الأيسر" ثمّ نعْـته بـ :"انتهازيّ ايديولوجيا الجناح الأيمن".

هو ياووبانغ كان أمينـًا آخر من أمناء الحزب، تمّ إرغامه على الاستقالة في ينايـر 1987، وقد ناضل من أجل إنصاف عددٍ من الضحايا الأبرياء المُتـّهمين بكونهم مجرمين أثناء الثورة الثقافية. كان يـُُريد إكساب الشيوعية بـريقــًا وحيويّة جديديْن في قـلوب المواطنين. ورغم ذلك، فقد تمّ طرده في النهاية.

جاوو تسييانغ، آخر أمناء الحزب الذين سقطوا [29]، كان يُـريد مساعدة الـح ش ص على إصلاح نفسه أكثر. ورغم ذلك، فإنّ أعماله جرّت عليه عواقب وخيمة.

إذ ًا فماذا يمكن لكلّ مُسيّـر جديد للـح ش ص أن يفعله ؟ إصلاح الـح ش ص حقــّا كان يعني ضمنيّا قـتله. ووجد المُصلحون أنفسهم بسرعة مُجرّدين من السلطة من طرف الـح ش ص. هناك حدود تحُدّ ما يمكن لأعضاء الـح ش ص فعله لتغيير نظام الـح ش ص. إذ ًا فليس هناك أيّ أمل للـح ش ص في أن يشهد إصلاحًا.

إن كان كلّ مُسيّري الحزب قد أصبحوا "أشخاصًا سيّئين"، إذ ًا فكيف استطاع الـح ش ص أن يُنمّي ثورته ؟ في كثير من الأمثـلة، عندما كان الـح ش ص في أوج قوّته - وفي أوج شرّه - نجد أنّ موظفيه السّامين وكوادره العليا قد فشلوا في مهمّـتهم. ذلك لأنّ درجة شرّهم لم تكن تستجيب للمقياس المطلوب من الحزب، الذي لم يقـع اختياره أبدًا سوى على أكثر الأشياء شرّا. الحياة السياسيّة لعددٍ من مسيّري الحزب انتهت بتراجيديا، ولكن الـح ش ص بقي رغم كلّ شيءٍ. مُسيّرو الـح ش ص الذين ظلــّوا على قيد الحياة لم يكونوا من الصنف الذي يستطيـع أن يؤثـّر على الحزب، بل من الصنف الذي يستطيـع أن يفهم نواياه ويتـّبع منهجه الشرّير. لقد دعّموا قدرة الـح ش ص على البقاء على قيد الحياة أثناء الأزمات ووهبوا أنفسهم كـُلــّية ً للحزب. فليس من الغريب أنّ أعضاء الـح ش ص تجرّؤوا على مصارعة السماء، محاربة الأرض، ومحاربة بشر آخرين. ولكنهم لم يستطيعوا أبدًا معارضة الحزب. إنهم كلــّهم طوع أمر الحزب وأدوات تنفيذه، أو على الأكثر هم مرتبطون بالحزب ارتباطـًا تكافـليّا.

انعدام الحياء أصبح ميزة ً للـح ش ص اليوم. حسب الـح ش ص، كلّ أخطاءه ارتكبها أفراد كانوا يُسيّرون الحزب، مثلاً جانغ غووتاو [30] أو زمرة الأربعة [31]. اعتبـر الحزب أنّ ماوو تسي تونغ كان له ثلاثة أقسام من الخطأ وسبعة أقسام من الصواب، بينما دانغ سياوبينغ يقـيّم نفسه فيعتبر أنّ لديه أربعة أقسام من الخطأ وستـّة أقسام من الصواب، ولكنّ الحزب في حدّ ذاته لم يرتكب أبدًا أخطاء. وحتـّى وإن ارتكب خطأ فإنه يقول أنه قد صوّبه بنفسه. لذلك يطلب الحزب من أعضاءه أن "ينظروا إلى الأمام" و "ألاّ يظلـّوا غارقين في أحداث الماضي". أشياء كثيرة يمكن أن تتغيّر : الجنّة الشيوعية يمكن أن تتحوّل إلى ملجأ اشتراكي متواضع ؛ ماركس و لينين تمّ إبدالهما بـ "التمثيلات الثلاث" ؛ ولا يجب أن يتفاجئ الناس عندما يروْن الـح ش ص يدعو إلى الديموقراطية، أو ينفتح على حرّية الاعتقاد، أو يتخلــّى بين عشيّةٍ وضحاها عن جيانغ زمين، أو يقترح التكفيـر عن خطاياه في اضطهاد الفالون غونغ. ومع ذلك، هناك أشياء بخصوص الحزب لا تتغيّر : السعي وراء هدفه الأساسي – البقاء على قيد الحياة والحفاظ على السلطة والنفوذ.

لقد مزج الح ش ص العنف، والرعب، والمذهبة المفروضة فرضًا ليكوّن قاعدته النظرية، والتي تحوّلت فيما بعدُ إلى طبيعة الحزب، وأصبحت المبادئ العليا للحزب، وروح مسيّريه، وآليّة عمل وسير الحزب بأكمله والمقياس الذي يحدّد سلوك كلّ أعضاء الـح ش ص. الحزب الشيوعي صلب صلابة الفولاذ وهو يطبّـق نظامه بيدٍ حديديّة. نوايا كلّ أعضاءه يجب أن تكون موحّدة وأعمالهم يجب أن توافق تمامًا البرنامج السياسي للحزب.

خاتمة

لماذا اختار التاريـخ الحزب الشيوعي فوق كلّ قوّة سياسيّة أخرى في الصين ؟ مثـلما نعلم جميعًا، توجد في هذا العالم قوّتان، خياران. أحدهما هو القديم والسيّء، وهدفه هو فعل الشرّ واختيار ما هو سلبيّ. والآخر هو العادل والطيب، واختياره هو الخير والإحسان. الـح ش ص هو خيار القوى القديمة. لقد جمع الـح ش ص كلّ شرور العالم، الصينية والأجنبية، الماضية والحاضرة، لذلك وقع اختيار القوى القديمة على الـح ش ص. إنه يُمثـل بصفةٍ نموذجيّةٍ القوى الشريرة. منذ بداياته، استعمل الـح ش ص البراءة الفطرية للناس وإحسانهم لكي يغالطهم، ثمّ تدريجيّا نما واكتسب قوّة حتـّى اكتسب قوّة التدمير الحاليّة التي لديه.

ماذا كان الحزب يعني عندما صرّح أنه لم يكن لتكون هناك صين جديدة دون الحزب الشيوعي ؟ منذ تأسيسه في 1925 وإلى حدّ حصوله على السلطة السياسية في 1949، تـُرينا الأحداث بوضوح أنّ الـح ش ص لم يكن ليصل أبدًا للسلطة بدون الكذب والعنف. يختلف الـح ش ص عن كلّ تنظيم آخر في التاريـخ حيث أنه يتـّبع ايديولوجيا ماركسية- لينينية مشوّهة ويفعـل ما يبدو له. إنه يستطيـع أن يفسّر كلّ ما يفعله مُستعملاً نظريّات كبيرة ويربطها ربطـًا ذكـيّا بشرائح مُعيّنة من جمهور الشعب، وهكذا "يُبرّر" أفعاله. إنه يبثّ دعايته كلّ يوم ٍ، مقنـّعًا استراتيجياته بمختلف المبادئ والنظريات ومُبرّرًا ساحته بأنه دائمًا وإلى الأبد على صوابٍ.

نموّ الـح ش ص كان مسار تراكم للشرور، دون أيّ شيءٍ نبـيل البتـّة. تاريـخ الـح ش ص يُرينا بالتحديد لا- شرعيّته. الصينيون لم يختاروا الـح ش ص، بالعكس، الـح ش ص هو الذي فرض الشيوعية، هذا الشيطان الشرّير الغريب عن الشعب، مطبّـقــًا الملامح التسعة التي ورثها عن الحزب الشيوعي : الشرّ، الكذب، الاستفزاز، إخلاء المجال لحثالة المجتمع، الجوسسة، النهب، الصراع، التصفية، والسيطرة.

 

ملاحظات :

1- من النشيد الشيوعي.

2- من تقرير بخصوص بحث في حركة تمرّد الفلاّحين في هونان (1927).

3- أسطورة شعبية صينية، "الفتاة ذات الشعر الأبيض" تروي قصّة شخصية ناسكة صالحة تسكن في مغارة وتمتلك قوىً خارقة، وهي تـجازي الإحسان وتـُعاقب الشرّ، تـُشجّع الاستقامة وتحُدّ من الشرور. ولكن في النسخة "المعاصرة" من الباليه والأوبرا، تمّ تصويرها على أنها فتاة مُجبَرَة على الفرار وعلى الاختباء في مغارة بعد أن قـُـتـِل والدها بسبب رفضه تزويجها من فلاّح ثريّ مُسنّ. وابيضّ شعرها بسبب سوء التغذية. وقد استـُعمِلت هذه المسرحية لإثارة الكراهية ضدّ طبقة أصحاب الأملاك، وصارت إحدى أكثر المسرحيات "المُعاصرة" شهرة في الصين.

4- ترجمة لمبونبروليتاريا هي إجمالاً "عمّال الأحياء الشعبية الفقيرة". يرمز اللفظ إلى طبقة المُهمّشين، أو المنحطين، أو طبقة العناصر المختبئة والذين يكوّنون شريحة ً من سكان المراكز الصناعية. وهي تضمّ المتسوّلين، المومسات، قطاع الطرق، الابتزازيين، اللصوص والنصّابين، صغار المجرمين، المتسكعين، العاطلين المؤقـتين عن العمل أو العاطلين الدائمين، العمّال المطرودين من المصانع، وشتـّى أنواع العناصر الساقطة والمنبوذة والمنحطة. اللفظ هو من تأليف واختراع ماركس في صراع الطبقات بفرنسا، 1848-1850.

http://www.marxists.org/francais/marx/works/1850/03/km18500301a.htm)

5- جو آنلاي (5 مارس 1898-8 يناير 1976)، كان الشخصية الثانية التي تـلي ماوو تسي تونغ أهمّية ً في تاريـخ الـح ش ص. كان شخصيّة محورية في الـح ش ص ورئيس الوزراء في الجمهورية الشعبية للصين من 1949 إلى حدّ موته.

6- غو شونجانغ كان في الأصل أحد قوّاد نظام المُخبرين السرّيين لدى الـح ش ص. في 1931 وقـع القبض عليه من طرف الك م ت وساعدهم في معرفة الكثير من الأسرار المُخبّأة للـح ش ص. وفيما بعد، جميع أفراد أسرة غو الثمانية تمّ خنقهم إلى حدّ الموت ودفنهم في المقبرة الفرنسية بشانغهاي. لمزيد المعلومات، راجع "تاريـخ جرائم الـح ش ص" (بالانكـليزية :  http://english.epochtimes.com/news/4-7-14/22421.html).

7- الحرب بين الـح ش ص والك م ت في يونيو 1946. تـتميّـز الحرب بثلاث حملات متتالية : لياووسي-شانيانغ، هواي- هاي وبيكين- تيانجين، والتي إثرها أطاح الـح ش ص بحكومة الك م ت، مُنتهيًا إلى تأسيس النظام الشيوعي – الجمهورية الشعبية للصين 1 أكتوبر1949.

8- شيانغ كاي- شك كان يسيّر الك م ت، ثمّ فيما بعدُ، غادر إلى المنفى وأصبح رئيسًا لتايوان.

9- هو تسونغنان (1896-1962)، أصيل منطقة سياوو فانغ (المنتمية الآن إلى إقليم آنجي من مقاطعة جاجيانغ)، كان على التوالي قائدًا مساعدًا، قائدًا معوّضًا، ورئيس أعوان الجيش والقيادات المركزية الإدارية بالجنوب الغربي المُعتـَمَد لدى الك م ت.

10- لي سيانـّيان (1909-1992)، أحد أقدم مسيّري الـح ش ص. كان رئيسًا للصين في 1983. وقد لعب دورًا هامّا ورئيسيّا بمساعدته لدانغ سياوبينغ على استرجاع الحكم في أكتوبر 1976 عند نهاية الثورة الثقافية.

11- عندما بدأ الـح ش ص في إصلاح الأراضي، قام بتصنيف الناس. من بين الطبقات التي صنـّفها على أنها عدوّة، كان المثقـفون يقعون إلى جانب مالكي الأراضي، والرجعيين، والجواسيس، الخ. وكان ترتيبهم هو الصنف التاسع.

12- مأخوذة من قصيدة لسيما تشيان (145-135 ق م إلى 87 ق م)، وهو مؤرّخ تحت حكم عائلة هان في الغرب. قصيدته الشهيرة يقول فيها :

"كلّ فردٍ مائت لا محالة
 يمضي بعضهم جليلاً أجلّ من تايشان
 ويمضي بعضهم هيّنـًا أهون من ريشة".
 وتايشان هو أحد الجبال الرئيسية في الصين.

 13- ترجمة غير رسمية مأخوذة من كتاب يانغ كويسونغ "لمحة عن الدعم الماليّ الذي مدّت به موسكو الحزب الشيوعي الصيني من 1920 إلى 1940" (1)، رقم 27، طبعة الانترنت في القرن 21 (30 يونيو 2004). موقع الانترنت : (بالصينية). الكاتب يانغ كويسونغ كان باحثـًا في التاريـخ المعاصر بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. وحاليّا هو أستاذ في قسم التاريـخ بجامعة بيكين وأستاذ مساعد بجامعة المعلــّمين لشرق الصين.

14- بعثة الشمال كانت حملة عسكرية قادها شيانغ كاي- شك في 1927 بهدف توحيد الصين بتسيير من الك م ت ووضع حدّ لحكم أسياد الحرب المحلــّيين. وقد حقـــّـقت هذه الحملة الأهداف التي رسمتها على نطاق واسع. أثناء بعثة الشمال، كان الـح ش ص قد كوّن حلفـًا مع الك م ت.

15- الحركة الثورية أثناء حلف الـح ش ص-الك م ت، وما يميـّزها هو بعثة الشمال.

16- سون يات- سن (1866-1925)، مؤسّس الصين الحديثة.

17- الجيش الثوري الوطني تحت رقابة الك م ت، كان الجيش الوطني لجمهورية الصين. أثناء فترة الحلف ح ش ص- ك م ت، كان هذا الجيش يضمّ أعضاء الـح ش ص الذين انضمّوا إلى الحلف.

18- في الـ 12 من أبريل 1927، شنّ الك م ت الذي يقوده شان كاي- شك عمليّة عسكريّة ضدّ الـح ش ص بشانغهاي وعديد المدن الأخرى. حوالي 5.000 إلى 6.000 عضو من أعضاء الـح ش ص تمّ القبض عليهم والكثير منهم تمّ قـتلهم بشانغهاي ما بين 12 أبريل ونهاية عام 1927.

19- منطقة جبل دجينغ غانغشان تـُعتـَبَر القاعدة الريفية الثورية الأولى للـح ش ص، وهي تـُسمّى بـ "مهد الجيش الأحمر".

20- لياووسي- شانيانغ، بيكين- تيانجين، وهواي- هاي كانت ثلاث معارك رئيسية بين الـح ش ص والك م ت ما بين سبتمبر 1948 ويناير 1949. في هذه المعارك سقطت كثير من أفضل الفرق عند الك م ت. ملايين الرجال هلكوا في هذه المعارك الثلاث.

21- لين بياوو (1907-1971)، أحد مسيّري الـح ش ص القدماء، لعب في فترة حكم ماوو تسي تونغ دور عضو المكتب السياسي الصيني، بصفته نائب رئيس (1958) ووزير دفاع (1959). يُعتـَبَرُ لين العقـل المُدبّر للثورة الثقافية الكبرى في الصين. وقد تمّ تعيين لين ليكون خـَلـَفـًا لماوو في 1966، ولكنه في 1970، تقول الإشاعات أنّ لين قد أحسّ مُسبَقـًا بسقوطه، فشارك في تدبيـر انقلاب سياسي، ثمّ حاول الفرار إلى الاتحاد السوفييتي عندما انكشفت المؤامرة. أثناء محاولته الفرار من الملاحقة، تحطمت طائرته في منغوليا وكان بذلك موته.

22- تشو تشيو باي (1899-1935) هو أحد مسيّري الـح ش ص الأوائل وأحد كتـّاب اليسار المعروفين الأوائل. تمّ القبض عليه من طرف الك م ت في 23 يناير 1935 ومات في 18 فبراير من نفس السنة.

23- "التمثيلات الثلاث" كانت قد ذكِرت في البداية في خطابٍ ألقاه جيانغ زمين في فبراير 2000. حسب هذه النظرية، على الحزب أن يعكس دائمًا اتـّجاه ازدهار ونموّ القوى المنتجة المتقدّمة للصين، الاتـّجاه الثقافي المتقدّم للصين والمصالح الأساسية للغالبية الساحقة من الشعب الصيني.

24- جانغ بوجون (1895-1969) كان أحد مؤسّسي الرابطة الديموقراطية الصينية، وحزب ديموقراطي صيني. وقد نعته ماوو تسي تونغ بـ "رجل اليمين رقم 1" في 1957، وهو يبقى إلى اليوم من بين القلائل الذين لم يتمّ ردّ الاعتبار إليهم بعد الثورة الثقافية.

25- لوو لونغجي (1898-1965) كان أحد مؤسّسي الرابطة الديموقراطية الصينية، وقد نعته ماوو تسي تونغ بـ "رجل يمين" في 1958، ولم يـقع كذلك ردّ الاعتبار إليه بعد الثورة الثقافية.

26- بو يي، وهو منشوريّ (من منشوريا) ويُدعى إيسان جيورو (1906-1965)، آخر امبراطور صيني (1908-1912)، حكم تحت اسم هسوان تونغ. بعد تنحّيه عن العرش، منحته الحكومة الجمهورية الجديدة إقامة حكوميّة مُريحة وسمحت له بالعيش في المدينة المحرّمة إلى حدود 1924. بعد 1925، عاش في رقعة الأرض اليابانية مانشوكو أو منشوريا. قبض عليه الرّوس في 1945 وأبقوْا عليه سجينـًا. في 1946، شهد بو يي في قضيّة جرائم الحرب التي ارتكبتها طوكيو، متعلــّلاً بأنه كان - بدون إرادته - أداة ً في يد العساكر اليابانيين، لا كما كانوا هم يدّعون، أداة الحكم والقرار الذاتيين في منشوريا. في 1946، تمّ تسليمه إلى الشيوعيين الصينيين وسُجـِنَ في شانيانغ إلى 1959، حيث منحه ماوو تسي تونغ العفـو.

27- عن تشي تشيو باي "بضعة كلماتٍ أخرى" في 23 مايو 1935، قـُبيْـل موته الذي كان في 18 يونيو 1935.

28- جانغ وانتيان (1900-1976)، كان أحد المسيّرين الهامّين للـح ش ص منذ سنوات 1930. كان الوزيـر المساعد للشؤون الخارجية للصين ما بين 1954 و 1960، وقد تمّ اضطهاده إلى حدّ الموت في 1976 أثناء الثورة الثقافية. وقد تمّ ردّ الاعتبار إلى وضعيّـته في أغسطس 1979.

29- آخر الأمناء العامّين العشرة للـح ش ص، وقد وقع طرده بسبب عدم تأييده لاستعمال القوّة لوضع حدّ للمظاهرات الطلاّبية في ساحة تيانانمن سنة 1989.

30- جانغ غووتاوو (1897-1979)، أحد مؤسّسي الـح ش ص، وقـع إقصاءه من الـح ش ص في أبريل 1938. وقد ذهب إلى تايوان في نوفمبر 1948، ثمّ إلى هونغ كونغ في 1949 قبل أن يهاجر إلى كندا في 1968.

31- تمّ تكوين "زمرة الأربعة" من قـِبَـل جانغ تشينغ (1913-1921)، زوجة ماوو تسي تونغ. كانت تضمّ أيضًا جانغ تشونتشياوو (1917-1991)، موظف قسم الدّعاية في شانغهاي، و ياوو وانيوان (1931)، ناقد أدبيّ، وعون أمن شانغهاي وانغ هونغوان (1935-1992). وقد وصلوا إلى السلطة أثناء الثورة الثقافية الكبرى (1966-1976) وكانوا يسيطرون على الساحة السياسية الصينية في بداية السنوات 1970.

 

 

جميـع الحقوق محفوظة للناشر - صحيفة الإيبوك تايمز